صفاء خلف

تحلّل الورقة مسار «المالكية السياسية» بوصفها مشروعاً شخصانياً للهيمنة تَكوَّن خلال حكم نوري المالكي (2006–2014)، وبلغ ذروته وانكساره مع انتخابات 2014. توضح كيف أدت نزعة احتكار السلطة إلى عسكرة الفضاء العام، وتسييس القضاء، وتكريس الزبائنية، وتفكيك «المركزية الشيعية» التي حكمت النظام بعد 2003. كما يستعرض تَحوُّل المرجعية الدينية إلى أداة إقصاء، وتَعمُّق الصدع الشيعي–الشيعي، مقابل تصاعد المظلومية السنية والمطالب الكردية. ويخلص إلى أن انتخابات 2014، مثّلت لحظة انهيارٍ لمشروع الهيمنة الفردية، وبداية مرحلة انكشاف النظام الطائفي الهشّ الذي أنتج دولة مُلتقَطة بلا شرعية تمثيلية حقيقية.
«كم من المأساوي أن يرتبط تصحيح خطأ جسيم ارتُكِبَ في الماضي، باستدامة خطأ جسيم يُرتَكَبُ في الحاضر»1
آصف بيات
هشَّم المسار التَّفاوضي لتشكيل حكومة انتخابات العام 20142، رِهاناً صعباً، لرئيس الوزارة آنذاك، نوري المالكي، بالقبضِ على «ولاية ثالثة» لأعوامٍ اربعة لاحقة، إذْ كان يَسعى الى التَّمكنِ من تأبيد سُلطته لصالح خطوط مؤثرة داخل «حزب الدَّعوة»، عبر الابقاء على المُقاولة العُرفية، بأن تكون الحكومة مملوكة دوماً للحزب النخبوي، تمهيداً الى قفزةٍ مستقبليةٍ، باحتكار الحُكم ضمن الامتدادات العائلية لهمينته السِّياسية.
طموح الاستملاك السُلطوي الذي ساحَ بخيالات المالكي، لم يَصطدم فقط بحائط المُعارضة «السُّنية» المليء بالبنادق لحظتها؛ بل دَحرهُ ايضاً رفضٌ شِّيعيٌ «انتهازي» مُجرد «المسؤولية الوطنية» من طرف الجَّماعات الرَّديفة، لجهة تضاد توسعة مصالحها مع المطامح «المالكية»؛ بيّنما غضَّت المساءلة عن فترتي حكمه المتوترتين، والتي حاول عبرهما «المأسسة الشَّخصية للسُلطة»، ومارس تنكيلاً ممنهجاً بالفرقاء السِّياسيين، لاعتماده المُفرط على عسكرة الفضاء العام بزعم «تجفيف الإرهاب»، ومنع «عودة البعث»، وصولاً الى «تفريغ الميدان»3 عبر شطب وتحييد الحراك المدني – الاجتماعي المُعارض؛ ما اتاح له مساحة شبه مُطلقة لتنشيط القمع والازاحة والمتاجرة السِّياسية، وتخليق طبقات متمددة من «زبائنية الفساد» وشبكات المحسوبية، التي طوَّرتها ادواته نحو الانهماك بصناعة سردية «البَطل»، قُبالة «الاشرار» الذين يصنعهم او يُديم وجودهم «التَّوافق»4.
السَّردية المُتشنجة لمحاولة فرض نموذج «هَيْمَنة» قسرية لفرد غير ناضج، كادت ان تقوض استدامة مُجمل البقاء الشِّيعي السِّياسي ضمن الحيّز الخاص في السُلطة النَّاشئة، او كجزءٍ من متبنيات الانجاح العام لـ«دمقرطة» تحاصص الحكم.
أدَّت فترتا التَّسلط المالكيَّتان (2006 – 2014) الى؛ ترسيخ «الانعزالية الطَّائفية»، سياسياً وانتخابياً في الاولى، بيّنما افضت الثَّانية الى نتيجتين مرهقتين دمَّرتا آمال بناء الدَّولة/ الامة «الجديدة»، أو ما سَمَّته السَّردية الاحتلالية والقوى المحلية المُتحالفة معها بـ«العراق الجديد». وبدلاً من خلق «نموذج بديل»، برعت إدارة المالكي في إثارة المزيد من عوامل الاضطراب المُزمن للحالة العراقية غير المُستقرة. تَمثَّلت نتيجتها الاولى بتفكيك البديل الاقل ضرراً، فيما لو سُمح لرئيس الوزراء الاسبق إياد علَّاوي بتشكيل حكومة 2010. والأخرى؛ الصعود القهري لجَّماعات غياب الدَّولة، تنظيم «داعش»، وقبالته «جماعات الحشد الشَّعبي» باعتبارها نِداً مناوئاً يحمل القيَّم الالغائية ذاتها، مُتمايزاً عنه فقط بسرْدية فقهية مغايرة، ومحمياً بالمظلة الايرانية التي تضبط اداء المظلة المحلية الحكومية إذا ما أرادت ترشيد السِّلاح ضمن «الدَّولة».
النَّتيجتان المُرهقتان، بدَّلتا ديناميات ادارة الحُكم والمجال العام، مولدةً خرائط اجتماعية استقطابية مختلفة هيكلياً عن حُزم التَّنافس والمساحات التَّدخلية التي نشطت عبرها التجربتين الاقتراعيتين في 2005 و2010، اللَّتان كانتا اكثر انسجاماً مع التَّوطين المُزمن للتَّفتيت الاجتماعي ضمن الطَّائفة والعرقية التَّفوقية، منهما الى صناعة هوية سياسية صوابية، تسمح للعموم العراقي بالتَّحرك خارج الحدود المرسومة بذكاءٍ وخبثٍ من طرف المجموعات السِّياسية، التي بدت قواها نافذةً ومستحيلة التَّفكك. بالتالي؛ رسمت فترتا التَّسلط بروزاً واقعياً لـ«المالكية السِّياسية».
«المالكية السِّياسية» مقابل تفكيك «المركزية الشِّيعية»
بعد عقدٍ تقريباً من الصمود الصَّعب في السُلطة، خلقت «المالكية» لنفسها تكتيكات مؤثرة، وايضاً كانت العامل الاكثر تحفيزاً لما يُمكن اعتباره البدايات المُبكرة لـ«الصَّدع الشِّيعي». إذْ نجحت في تفكيك «المركزية الشِّيعية»، التي تَمحور خطابها وجماعاتها – لعقدٍ تقريباً – حول «استراتيجية» مؤلفة من دينامياتٍ ثلاث اساسية؛ تبرير التَّطبيع مع احتلال اجنبي مباشر، تكْسير المعارضة السُّنية السِّياسية والمُسلحة، واخيراً البَّحث عن «شرعية اجتماعية» لسُلطة رديئة مُفككة غير قادرة على انتاج هوية جماعية أو بلورة ايديولوجية اجتماعية موحدة، تؤَمِّن الحد الادنى من مشروعية الوحدة المواطنية. فعوضاً عن الفشل الكارثي في ادارة الصِّراع الرَّمزي حول جذور الاختلاف التاريخي الفقهي بيّن المدرستين السُّنية والشِّيعية، وعزله عن التَّحول الى مُحفزات مواجهة دامية تقوض التَّعايش ضمن اطار الأمة؛ توافقت القوى الطائفية مع الحركات الكُردية حتَّى في بعضٍ من نزعاتها الانفصالية، على تفتيت الاحساس الجمعي الوطني.
«استراتيجية» الديناميات الثَّلاث، صَمَّمت بعمق الدِّينامية الشِّيعية لاستملاك النِّظام وادارته؛ إثر تشطير الخطاب الوطني والمجال العام والبُنى الاجتماعية، عند تشكيل «مجلس الحكم العراقي» في تموز/ يوليو 2003، بوصفه آلية سياسية اغترابية لا تمثل مصالح العموم، مفروضة من قوةٍ وهرمية أعلى مُحتلة.
ازدهرت ونمت تلك الاستراتيجية الانعزالية مع وجود خطوط مناورة مُتضادة رَعتها التَّدخلات الايرانية، من خلال دعم «النُخبة الشِّيعية» سياسياً، كجسمٍ مُهيمن متعدد الجَّماعات كسراً لمركزية الخط الواحد. وفي الوقت نفسه، الدَّفع باتجاه توسعة «المشاغلة الشِّيعية المقاوماتية» غير المُتبناة رسمياً وحزبياً، ضِّد القوة الاحتلالية الاميركية – البريطانية؛ درءاً للصعود السِّياسي المتوقع لـ«المقاومة السُّنية» في حال انفرادها كُلياً بـ«خطاب المقاومة»، رغم إنَّ طيفاً منها كان مدعوماً ايرانياً ايضاً. دينامية مُركبة، جَّمدت تحول الاشتباكات الشِّيعية الدَّاخلية المُزدهرة، الى انفصال دراماتيكي يُهشِّم مركزية الخطاب والفعل السِّياسي للطائفة. بالنهاية؛ مع تغول «المالكية»، تبعثر النَّسيج المُتضامن شيعياً، وانزاح من «المواجهة الطَّائفية» عبر الكُتلة الواحدة التي تجانست بصعوبة لمواجهة المعارضين السُّنة عبر «الائتلاف العراقي الموحد» في 2005، ومن ثم «الائتلاف الوطني العراقي» في 2010، الى صِدام بين المجموعات القُطبية المُتناحرة، بما شكل تصدعاً القى بظلاله على مُجمل الحراك اللاحق.
تولَّد تفكيك «المركزية الشِّيعية» من اتجاهين متضادين بدءاً من النصف التَّالي من العام 2009. الأول من طرف المالكي، الذي سعى الى الانفصال عن تلك المركزية و«الكُتلة الواحدة» لترسيخ قيمته البديلة بوصفه «مخلب الشَّيعة الاقوى»، عبر هيكله المُستحدث «ائتلاف دولة القانون». والثاني، تشكل عكسياً من المجموعات الطَّائفية الحليفة الاصغر، من بقايا «الائتلاف العراقي الموحد» التي تم تدويرها في «الائتلاف الوطني العراقي»، رفضاً لحالة الاستقواء والانفراد بالتمثيل المزعوم لمصالح الطَّائفة من قبل «المالكية السِّياسية»، التي هدَّدت وقلَّصت من اوزان ومساحة بقية الجَّماعات، و حدَّت من فرصها المُحتملة للوصول الى السُلطة. ما مثَّل اولى الخطوات العملية لتسارع بناء «الصَّدع الشِّيعي».
تَبيّن على نحو مُفزع لـ«النُخبة الشِّيعية»، كارثية تكديس السُلطة عند طرفٍ واحدٍ بزعمِ تسوية المظلومية التاريخية، بمعنى التَّوافق على تأبيد ادارة الحكم لدى “حزب الدَّعوة”، بوصفه ممثلاً شاملاً للمظلومية الشِّيعية العامة، وتقديمه لمُرشده الرَّوحي “محمد باقر الصَّدر”، قرباناً سياسياً مبكراً لانعاش تغيير نظام البَّعث – صدام. لذا كان لا بد من تفجير «الصَّدع» الذي أُستدعي للقضاء على «المالكية»، التي بدا تفكيكها عسيراً مالم يتم اللجوء الى جُملةٍ مبتكرةٍ من خطوط الصِدام الدّاخلي، التي تمثلت بثلاث مناورات عمَّقت مساحة التَّنازع في المنطقة الشِّيعية:
(1) تفكيك استراتيجية «الكُتلة الواحدة» لطرد التَّفوق التصويتي للكتلة الفائزة.
(2) التَّراجع عن الصِّيغة الانقلابية للتفسير القضائي لمعنى «الكتلة الاكبر».
(3) تعيين «المرجعية الدِّينية» كأداة تأثير، ومَصد مواجهة، وحارس إقصاء.
عبَّرت تلك المناورات عن مدى خطورة المالكي وقدراته المُبهرة في تسميم المناخ السِّياسي، الذي استخدمته «النُخبة الشِّيعية»، كسياسي سايكوباثي، لاحتكار ادارة الحُكم، وتدمير وتفكيك السُّنية «السِّياسية» و«الاجتماعية» وبيئاتها وحواضنها، فضلاً عن خنق وترويض المجال العام الوطني بعموميته ومطالباته بالتَّغيير. بالمُحصلة؛ ارتَّدت شظايا المالكي لتُصيب الجسم الشِّيعي وتُدميه، بما جعله جسماً مُعتلاً على نحوٍ لا يُمكن شفاؤه، حتَّى بعد تجفيف طموحات عودته الى الحُكم.
تفكيك «الكُتلة الشَّيعية الواحدة»، توَّلد ايضاً بفعل انحسار مخاطر صمود السُّنة كمجموعة سياسية تتبنى خطاباً كُتلوياً صُلباً احياناً، وهشاً ومتنافراً غالباً، ضد «الاستفراد الشِّيعي» والتَّطبيع مع احتلال اجنبي. إذْ إنَّ خطاب الجَّماعة سُرعان ما تم تذويبه في مصهرٍ مُعقدٍ من الشِّراك السِّياسية والامنية، إثر انسحاب القوات الاميركية – البريطانية ومُجمل القوات المتعددة الجنسيات اواخر العام 2011، الذي صحبهُ تراجعاً تدريجياً لقوة الرَّفض السُّني المُسلح، تزامناً مع نجاح آليات «الدَّمج» المشروطة، مثل «الصَّحوة»، «المصالحة الوطنية»، «الاستقطاب» و«شراء الولاء» عبر الترَّغيب والاندماج الحذر بالفعاليات السِّياسية والبيروقراطية الحكومية على حدٍ سواء، قُبالة ممارسة ارهاب اجتماعي واسع النِّطاق بواسطة القمع الامني ضد المُجتمع الاهلي بزعم ازالة «التَّمرد»5، توازياً مع تدبير اقسى درجات «التَّطهير الثَّأري»6 القائم على التمييز الطَّائفي، والسِّياسي المُبرر بـ«اجتثاث البعث»، عبر أدوات الضَّبط القهري المعنية بـمكافحة «الارهاب» و«الفساد».
مع انهيار السُّنة، لم يتبق لدى «المركزية الشِّيعية» من تتصارع معه داخل منطقة التنازع على السُلطة. بالتالي؛ تظافرت مخاوفها الدَّاخلية بالنمو، مع ادراكٍ متأخرٍ بأنَّ «المالكية» باتت عبئاً وعبثاً لا بد من ازاحته، لا سيما وإنَّ فترة حُكمٍ جديدة بأدوات عُنفية جبارة لمعالجة كارثة ضياع الموصل ومحافظات غرب البلاد، إذا ما سُلمت مُجدداً الى الرَّجل الطامح، فانه سيوظفها حتماً لأستئصال وازاحة كل القوى الشِّيعية بمعونة «جماعات مُسلحة»، دأب على تنميتها والاستثمار فيها منذ صِدامه مع الصَّدريين في البصرة، والتي تشكلت منها النويات الاولى والجسوم المركزية لهيكل «الحشد الشَّعبي».
مرحلة ما بعد حُزيران/ يونيو 2014، حفَّزت مناخاً عُنفياً هائلاً هوت فيه الخيارات السِّياسية الى قاع دمويٍ لتبديل مواقع النفوذ داخل السُلطة بقوة السِّلاح بزعم الحفاظ على «حق» استملاك الحُكم، وهو ما اختبر لاحقاً في تجربة انتخابات 2018. مخاوف القوى الشِّيعية تعاظمت مع حصد «ائتلاف دولة القانون» لنحو 92 مقعداً، بما فُهم حينها بأنَّ المالكي، سينازع الجميع طويلاً وينهكهم ولن يتقبل أزاحته، حتَّى ولو تكفيراً عن سوء ادارته، أو اعتذاراً عن فشله الامني وتسببه بـ«سقوط الموصل»، فضلاً عن مناطق الحوض الغربي. فالرَّجل الطامع، تَصوَّر في نفسه حارساً عتيداً على المعتقدات السِّياسية للنظام الجديد، مثل «تشرشل» في لحظة قصف لندن، لكنه ادائياً حوَّل مُجمل الفضاء الوطني الى تراجيدية شكسبيرية، مع كل الاشباح المريضة التي طافت برأسه.
صعود المالكي القوي في انتخابات 2014، استفز مُجدداً ضعف خصومه في قدرتهم على مُجاراة أدواته. المرَّة السَّابقة التي تكتَّل بها الجَّميع ضده، دَحرهم بـ«فتنة سياسية» طوَّحت آمال سحب الثِّقة عن حكومته في العام 2012. فتحالف مسعود بارزاني وإياد علّاوي ومقتدى الصَّدر وبترددٍ ماكرٍ جلال طالباني، بدا لحظتها «تحالف اقوياء»، يؤسس لخصومة وطنية ديناميكية من اجل تصحيح مسارٍ خاطئ. بالمُقابل، هشَّمه المالكي باللَّعب على تنافر مطلبياتهم وتناقض نواياهم، مُبطلاً «وضوء الصَّدر»، الذي اعتبر سحب الثِّقة «صلاةً من اجل الاصلاح»7، تراجع طالباني عن إمامتها، مُتذرعاً على نحو واهٍ ومقبوض الثَّمن بـ«الحياد الدستوري»8.
بالمُقابل؛ الثَّبات القوي لـ«المالكية» في حقل شيعي – سُني مفكك ومُشتت، منحها زخماً في رسم ملامح اصطفافات لاحقة، متوصلةً الى قراءة صحيحة كلياً منذ لحظة الانفصال في 2010، بأن البقاء مع «الكُتلة الشَّيعية الواحدة»، خسارة استراتيجية. إذْ إنَّ حلفائه سيصنعون المزيد من القيود للحد من «المشروع الاختزالي»9، الذي عوَّل عليه المالكي كثيراً لحصر تمثيل الطائفة بتياره. ومن معاينة عملية صحيحة ايضاً، فأنَّ الجَّماعات الشِّيعية الضَّعيفة ستظل تقتات على رصيده الانتخابي الضَّخم، وتأكل من جروفه التَّصويتية الواسعة مما يُضعف تمتعه بكامل الغِلَّة التَّمثيلية، التي كان يسعى لاشهارها بوجه خصومه بوصفه «الفائز الأكبر»، ما يُلجمهم من منع وصوله الى ولايةٍ ثالثة.
حرَّر المالكي طمعاً بتعظيم غاياته السلطوية ورصيده الشَّخصي، «النُخبة الشِّيعية» من الحبس الايراني الصَّارم بالبقاء في كُتلة واحدة، واسهم في ازدهار الخطوط السِّياسية المُتطلعة، كالتَّيار الصَّدري و«الحكمة» الخط اللاّحق لعمّار الحكيم، لبناء اوزانها الشَّعبية على نحو مُستقل، لتحافظ على بيئاتها التَّمثيلية بعيداً عن استغلال الخطوط الطُفيلية الشَّيعية لها. بالتالي؛ «المالكية»، بالرغم من كونها تمظهراً لسُلطة فردية الغائية، اسهمت على نحوٍ فعال بتحرير «الشِّيعية السِّياسية» من البقاء ككتلة جامدة تتصارع في حيزٍ طائفي محدود.
لا يُمكن تفسير الحصاد الانتخابي كحصيلة ديمقراطية تؤطر «الشَّرعية التَّمثيلية»، بقدر ما هو خداع سياسي لجماهير مُعتلة. يرى جوزيف شومبيتر (Joseph Schumpeter)، عالم الاقتصاد والعلوم السِّياسية الاميركي، في أطروحته التَّأسيسية «الرَّأسمالية والاشتراكية والدِّيمقراطية»، إنَّ «الدِّيمقراطية آلية لاختيار النُخب أكثر من كونها حكم الشَّعب المباشر؛ إذا اختُلّ شرط التَّنافس/التَّداول الحرّ للمعلومات، يتحوّل الاختيار إلى تفويض شكلي منخفض او عديم الجَّودة»10. بالرغم من إنَّ هذه المعاينة النَّقدية لم تكن ضمن متبنيات «المركزية الشِّيعية»، إلا إنها كانت الفكرة الطَّيفية التي ادت الى تفكيك استراتيجية «الكُتلة الواحدة» من اجل طرد التَّفوق التصويتي للكتلة الفائزة التي تمتع بها المالكي، مستفيداً من بقائه الطويل في الحُكم، مُسخراً الادوات الدَّولتية والثَّروة العامة خدمةً لمشروعه. لذا كان لابد من الانقلاب على مركزية ضخامة الأصوات وتكدسها عند طرفٍ يرفض مشاركة «الشَّرعية التَّمثيلية». الشِّيعة يريدون أن يظلوا هم مركز العملية السِّياسية، لكن دون أن تتغول واحدة من جماعاتهم على مجمل التَّمثيل الطَّائفي. بمعنى توزيع فائض القوة كنوعٍ من التَّشاركية الحُكمية بما يردع صعوداً انعزالياً او اختزالياً يُنهي «شرعية» البقاء والوجود11.
«السُلطة القضائية» اداةً للتنازع المالكي – الشيعي
رغم نجاح مناورة المالكي في 2010، بموافقة «الحلفاء الشِّيعة»، بالالتفاف على المُتنفَّس السِّياسي خارج الحقل الاحتكاري المسموم، الذي مثَّله فوز ائتلاف إياد علَّاوي «العراقية» حينها، عبر التوظيف السِّياسي لعدم نزاهة وحياد «المحكمة الاتحادية العليا»12، بجعل مقاعد جبهة علَّاوي (91 مقعداً) التي حُصدت بصعوبة تبدو فارغة القيمة، فإن المتحالفين الشِّيعة في الوقت ذاته، واجهوا رئيس «الدَّعوة» ومالك «ائتلاف دولة القانون»، بتكتيكات «اللعبة» نفسها عند لحظة تشكيل حكومة 2014؛ على اساسِ تشكل «الكتلة الاكبر»، وحصتها رئاسة الوزراء والمواقع السِّيادية والتنفيذية الاهم في الهيكل الحكومي، بواسطة التحالفات النِّيابية عقب الجَّلسة الاولى لانعقاد النَّدوة البرلمانية، لا اللائحة «المُنتخبة» باعلى الاصوات13. المناورة الشِّيعية المُضادة في 2014، خَنقت المالكي رهناً بحركته التآمرية على الإرادة العمومية في 2010. إذْ سعى للتخلص من المعضلة التَّفسيرية لـ«المحكمة الاتحادية العليا»، لكنه فوجئ بفداحة اثمان المُغامرة. فحتَّى المحكمة الاتحادية العليا التي عوَّل المالكي كثيراً على اجراءاتها لاستعادة قوته المنزوعة بقوة نفوذه عليها، إنزوت الى «فعلٍ عقلاني» مُعلنة انها «لن تنعقد»، بعدما دفعت ريح الجَّماعات اشرعة السُلطة بعيداً عن المالكي.
السُلطة القضائية – كالعادة – أثبتت عدم استقلاليتها، وخضوعها المباشر لتأثيرات النزاع، كأداة سياسية تتحكم بها مطلبيات «جماعات المصالح» داخل النِّظام، لا سيما ما يتعلق بالازاحات وادارة الخصومات. مثالاً؛ في [26 كانون الثاني/ يناير 2013]، تحالفت اطراف التَّصارع لصد استعدادات المالكي المُبكرة لحسم تمديد حكمه، بتشريع «قانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث». ضيَّق القانون الاطار الزَّمني لكل رئاسة: (النِّواب، الجمهورية، الحكومة) الى فترتين فقط، سواءً «متتاليتين أو غير متتاليتين قبل نفاذ القانون أو بعده»14. ولمنح القانون شرعيته الإجرائية، اقرَّت «المحكمة الإتحادية» الامر النيابي في [11 آذار/ مارس من العام نفسه]، رافضةً طعناً من «ائتلاف دولة القانون»، ومؤجلةً البَّت بطعنٍ مشابهٍ من رئيس الحكومة – بصفته الوظيفية -، لما بعد سريان التَّشريع. ساد تفاؤلٌ بأنَّ مُصادقة «الإتحادية»، هي «النصف المليان» من كأس حرمان المالكي «قانونياً». ولأن حبال الاستيلاء المالكية طويلة وتؤطر الهشاشة القضائية، نقضت «المحكمة الاتحادية» في [26 آب/ أغسطس 2013]، القانون النيابي بتحديد الولايات15، واحيّت مُجدداً فرص بقاءه في السُلطة.
البُنية القضائية تعاني هشاشة مؤسسية مُتجذِّرة وغير كافية لضمان الاستقلال، في ظل ضعف الأطر القانونية الرَّاسخة التي تعمل بموجبها، وغموض سياسات التعيين والترقية غير المستقرة والخاضعة للتَّدخلية الحزبية والمحاصصاتية، الشَّبيهة بالاستيلاء على المؤسسات، حيث تُمارس «جماعات المصالح» حبساً للقضاء (Judicial capture) داخل الممارسات السُلطوية، عبر ادوات سيطرة وتحكم مُختلفة لضمان أحكام مؤاتية، أو توجيه ملفات حساسة إلى محاكم، أو استصدار «قرارات ولائية» لتحقيق نتائج مرغوبة وانتقائية (Case Selection)؛ فضلاً عن حالة «الانفصال الشَّكلي» عن بُنية النِّظام السِّياسي، ما يعد اخلالاً عميقاً وبنيوياً في وظيفية الفصل بين السُلطات والضوابط والتوازنات (Separation of Powers). لذا غالباً ما تكون السُلطة القضائية مؤطَّرة سياسياً، اي مُسيسة وخاضعة لتطال الأضعف وتنحاز الى الأقوى، بما يَمْسَخها الى أداة تَحارُب، وعنف رمزي، وشريك منخرط في المنازعات، وسلاحاً في صراع التَّوزيع السِّياسي، بما افقد «السُلطة القضائية» كلياً حيادها المزعوم، وجعلها خطراً ومعرقلاُ لتنفيذ وتطبيق سيادة القانون بنزاهة، طالما ان هذه البُنية السُلطوية التي استحدثت ما بعد 2003، وهدفت «ظاهرياً إلى تعزيز استقلال القضاء، أدت عملياً إلى إنشاء قضاء يُنظر إليه غالباً على أنه يلعب دوراً سياسياً، ويخدم مصالح النُخبة الشِّيعية الحاكمة»16.
تشققات الصَّدع الشِّيعي: تفتت «نُصرة المذهب»
في مرحلة التَّصويت الامني لهياكل الدَّاخلية والجَّيش في انتخابات 2014، زَعم المالكيون، إنَّ «دولة القانون» جَمعَ 60 بالمئة من الأصوات، فيما عدَّ خصوم الرَّجل الطَّامح وحلفائه السَّابقين، النتيجة والتَّصويت «خرقاً» يحرسهُ «قائد القوات المسلحة العام» – المالكي بحكم المنصب -، حين سَّلط قادة الجهازين الشِّرطوي والعسكري على (1.023.829) من ناخبي البيروقراطية الامنية، بما يُحقق لـ«طامع الولاية الثالثة» نحو عشرِ مقاعد. بالضِّد؛ ومنعاً لاستملاك اصوات العسْكر، جَلَدت التَّنافسية السِّياسية، «الاستقلالية» و«الحصانة» المزعومة لمفوضية الانتخابات بسياطٍ تدخلية حادَّةٍ، قوَّضت الحد الادنى من الثِّقة العمومية بجدوى «الإيمان الديمقراطي» بآلية واعدة تُمنح المُقترعين والمطلبية الاجتماعية الوطنية املاً بالتغيير. اقتحم إياد علَّاوي رئيس لائحة «الوطنية»، واحمد الجلبي الرَّجل الثَّاني في لائحة «المواطن»، وبهاء الاعرجي مُستثمر لائحة «الشَّراكة الوطنية» بوصفها مناورة طيفية يملكها مقتدى الصَّدر، مقر المفوضية، لمنع «تشفير أسماء منتسبي جهاز الاستخبارات وجعلها ارقاماً، مع ضمان عدم احتسابهم بالاقتراعين الخاص والعام».
في مرحلة التَّصويت الامني لهياكل الدَّاخلية والجَّيش في انتخابات 2014، زَعم المالكيون، إنَّ «دولة القانون» جَمعَ 60 بالمئة من الأصوات، فيما عدَّ خصوم الرَّجل الطَّامح وحلفائه السَّابقين، النتيجة والتَّصويت «خرقاً» يحرسهُ «قائد القوات المسلحة العام» – المالكي بحكم المنصب -، حين سَّلط قادة الجهازين الشِّرطوي والعسكري على (1.023.829) من ناخبي البيروقراطية الامنية17، بما يُحقق لـ«طامع الولاية الثالثة» نحو عشرِ مقاعد18. بالضِّد؛ ومنعاً لاستملاك اصوات العسْكر، جَلَدت التَّنافسية السِّياسية، «الاستقلالية» و«الحصانة» المزعومة لمفوضية الانتخابات بسياطٍ تدخلية حادَّةٍ، قوَّضت الحد الادنى من الثِّقة العمومية بجدوى «الإيمان الديمقراطي» بآلية واعدة تُمنح المُقترعين والمطلبية الاجتماعية الوطنية املاً بالتغيير. اقتحم إياد علَّاوي رئيس لائحة «الوطنية»، واحمد الجلبي الرَّجل الثَّاني في لائحة «المواطن»، وبهاء الاعرجي مُستثمر لائحة «الشَّراكة الوطنية» بوصفها مناورة طيفية يملكها مقتدى الصَّدر، مقر المفوضية، لمنع «تشفير أسماء منتسبي جهاز الاستخبارات وجعلها ارقاماً، مع ضمان عدم احتسابهم بالاقتراعين الخاص والعام»19.
خشيت الكتل الشِّيعية الكبيرة والصَّغيرة، من استيلاء المالكي على حصيلة تصويتية هائلة ومبالغ فيها، بما يجعله متحكماً بثلث التمثيل النيابي الوطني – 110 مقاعد تقريباً -، ومحتكراً لمرجعية تشكيل حكومة متصلبة ومتمركزة حول خُيلاء سياسي يُجيد تفتيت خصومه بالهرواة الأمنية، وشراهة استغلال المال العام، وفساد الادارة الحكومية.
المناورة الانتخابية في 2014، رغم استمرار المُراهنة على تفكيك كتلة المجتمع العام محاصصاتياً ضمن حيّز الهويات البديلة؛ كشفت ايضاً عن ولادة مُبشرة لتصدع خطوط الأفرقاء والحلفاء الذين استثمروا في الهوياتية المتشظية في تشطير الدَّولتية والمؤسسية الى حقول عائمة على التناقضات تُفْرغ الهموم الوطنية العامة، سواءً سياسية او خدمية، في ميازيب صراع هامشي، يفقد الحركة الاجتماعية قدرتها على التفكير ضمن المنطقة الوطنية أو ابتكار نمط سياسي وحكموي بديل.
تمثَّل الصَّدع الشِّيعي عبر تفكيك «الكُتلة الواحدة»، بلوائح كُبرى ثلاث؛ «ائتلاف دولة القانون» لنوري المالكي، «ائتلاف المواطن» لعمّار الحكيم، والتَّيار الصدري بثلاث تفرعات اقتراعية مناطقية في العاصمة، «كتلة الاحرار» في صوب الرصافة، ومُشغلها محمد عبد الصاحب الدَّراجي [وزير الاعمار والاسكان في وزارة المالكي الثانية]، «الشَّراكة الوطنية» في صوب الكرخ، يُديرها بهاء الاعرجي، فضلاً عن «النخب والكفاءات الوطنية» بوصفها لائحة مؤتمنة لهيئة التَّيار السِّياسية مثَّلها ضياء الاسدي، استهدفت كتلة التَّصويت الاكبر لضواحي شرق وجنوب شرق بغداد.
ساحت ايضاً من تشققات الصَّدع الشِّيعي، لائحة رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفري «الإصلاح الوطني»، ولائحة حزب الفضيلة، مبعثرةً ومقموعة الحظوظ بوصفهما «مشاغلة انتخابية» خاسرة علّها تظفر بمقعدٍ تائهٍ، او يسقط سهواً من حلبة التنافس المحسوبة محلياً واقليمياً، رغم خطورة الخطاب الشَّعبوي للائحتين، تقرباً لناخبين شِّيعة استقطبتهم خيالات «نُصرة المذهب»، لاسيما من ماكنة «الفضيلة» التي اشتغلت على دينامية تهشيم ما تبقى من الوحدة الاجتماعية المواطنية، التي يحرسها مصد الهوية الوطنية الاخير، المُتمثل بقانون قانون الاحوال ﺍﻟﺸَّﺨﺼﻴﺔ رقم 188 لسنة 1959. «الفضيلة» حرَّكت البُركة الرَّاكدة لرجعية التفكير الانقسامي المذهبي حين طرحت «القانون الجعفري»، الذي عدَّته المرجعيات النجفية المعتبرة «شطحة» من «شطحات المرجع الحزبي محمد اليعقوبي» حينها20.
سعى المالكي ايضاً، الى مناكفة التَّيار الصَّدري عبر الدَّفع بالفصيل المسلح المُنشق عن الصَّدريين، «عصائب اهل الحق» الى السَّاحة الانتخابية لأول مرة. أراد المالكي ان يهدد القاعدة التَّصويتية لمقتدى، عبر ندٍ من داخل البيئة الثَّقافية، محاولاً تشطير الحاضنة، واجتذاب ما يمكن استقطابه منهم الى مشروعه من خلال منح العصائبيين «شرعيتين»؛ العمل السَّياسي والتَّمثيل النيابي21. بالتالي؛ هدم مشروع الصَّدر بوصفه مقاوماً، وممثلاً للكادحين الشَّيعة، بتصعيد «قيس الخزعلي»، بديلاً «شروگياً» منافساً من صُلب المحرومين، وأداة ابتزاز «مسلحة» يُمكن استخدامها في ردع الخصوم؛ فضلاً عن بناء هياكل مُنحازة الى التفضيلات البرامجية السُلطوية لـ«المالكية السِّياسية».
بالعودة الى تمثلات الصَّدع الشِّيعي الاخرى، سعى عمّار الحكيم، الى الظَّفر بنحو 50 مقعداً على الاقل، محاولاً القفز على حقائق المساحات المؤطَّرة سلفاً، مدفوعاً بِصبْيَنة لا واقعية الى تحطيم سقف «المفاجأة الكبيرة» التي فجّرها الصَّدريون في انتخابات 2010، بحصدهم 40 مقعداً، ما جعلهم الشِّفرات الحادَّة التي تُقلم طموحات النُخبة الشِّيعية، والنُصلُ الحاسم الذي يتأرجح على رأسِ الحكومة ومن يترأسها. فوز الصَّدريون في التجربة الاقتراعية 2010، كسَّر التفاؤل المُفرط للنُخبة الشِّيعية، بأن تيار الرَّثاثة الطَّالع من الازقة والشقوق المُهملة، والذي طورد قبل عامين فقط في البَصْرة من قبل «طامع الولاية الثالثة» مدعوماً بالمدفعية الاحتلالية البريطانية خلال «صولة الفرسان» في ربيع 2008، قد جُففت آمالهِ السِّياسية بانكساره عسكرياً، ومُحيت قدراته التأديبية الغاضبة التي تُطلق سهامها لحظة المشاكسة الانتخابية، وعند المفاوضة على المساحة المحفوظة للتَّيار في النظام السِّياسي.
تحالف النَّجفي – الحكيم: شرْعنة «النِّفاق الانتخابي»
غيّر الرَّئيس العائلي للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي، عمّار الحكيم، [ورثه عن والده عبدالعزيز في ايلول/ سبتمبر 2009، بعدما ورثه الاخير من أخيه محمد باقر الحكيم في ايلول/ سبتمبر 2003]، من خطاب جماعته حينها. بوصفه وريثاً شاباً لجماعة الكهول الأوليغارشيين من متزمتي الولاء لخط المُرشدية الايرانية، متوصلاً الى «صيغة ليبرالية» لإدارة التَّحالفات السِّياسية؛ مروجاً عن نفسه دهاء «العقلانية والصَّمت» الذي يُرضي النَّجف، وينتزع منها اعترافاً بكونه «ابناً للحوزة والمرجعية». برغم ان الصَّدر، مُقتدى، اوفر ارتباطاً منه بالنَّجفية الجَّديدة التي توطَّدت في تسعينيات القرن الفائت. حركة عمّار، كانت واحدة من تمثلات الصَّدع الشِّيعي، مغامراً بتسويق ذاته كخط «اعتدالٍ»، يستهوي كثيراً عمائم النَّجف، علي السيستاني، محمد سعيد الحكيم (توفي 2021)، بشير النَّجفي واسحاق الفياض، على خلاف الخط الراديكالي للصَّدر.
بموازاة ديناميتي، تفكيك «الكُتلة الواحدة» والتَّراجع عن الصِّيغة الانقلابية لتفسير «الكتلة الاكبر»، اشهر الصَّدع الشِّيعي، سلاحه المُبيّت الاقوى ضد «المالكية»، بتفعيل «المرجعية الدِّينية» كأداة تأثير، ومَصد مواجهة، وحارس إقصاء، على مرحلتين، الاولى قادها ذراع هامشي في البرّانيات النَّجفية، تمثَّلت بفتوى للمرجع بشير النَّجفي، والثَّانية وأدت طموحات المالكي تحت رُكام تعنتهِ، اثر تدخل مباشر لمرجعية السِّيستاني بمنع تفويضه ولاية ثالثة.
اضحى عمّار الحكيم في مقامرة 2014 الانتخابية «ابناً للحوزة»، مشتغلاً على بث التَّبني اللاهوتي المزعوم له، كرافعةٍ مُبجلةٍ ورُكناً قداسياً لدعايته الانتخابية بأنَّ «المرجعية تريد التَّغيير»، للجم المالكي وحجبه عن المشهد كُلياً. لذا أفتى المرجع بشير النَّجفي، عبر رسالةٍ مطوّلةٍ لعموم الشِّيعة، بحُرمة «انتخاب المالكي»22، عقاباً له على «فشلٍ تراكم طيلة السَّنوات الماضية»، وإنَّ عمّار، هو الاقرب الى طموحات الحوزة النَّجفية23. مَثَّلت الفتوى تدخلاً لسرْدية مضادة تتعارض مع القانون الانتخابي، لما لها من صفة الهيمنة الدينية والتأثير على اجرائية شعبية يُفترض بها ان تكون «ديمقراطية»، فضلاً عن كونها تأسيساً ثقافياً للاقصاء24، يُنتجه هيكل عُرفي ديني يشتغل في حيزٍ خاص ومحدود إزاء ممارسة سياسية عمومية. فتوى النَّجفي كانت المرة الاولى التي يصدر فيها «حرمان» ديني على لاعب سياسي شيعي، لكنها تلامست مع تعاظم خطورة المالكي، و”منسجمةً مع رغبات كتل شيعية منافسة”، وإن بدت ايضاً خروجاً على تقليد الحياد الظَّاهر للمرجعية بعدم التَّدخل في المجريات السِّياسية، ومتعارضةً مع المواقف السِّيستانية بـ«دعوة الناس إلى حرية الاختيار مع انتخاب الأصلح»25. نجحت مقامرة النَّجفي – الحكيم، وحصد الاخير نحو 30 مقعداً.
فتوى النَّجفي، بوصفها (Garbage Can Model)26، حملت افساداً متعمداً لـ«ضمير النَّاخب»، وعصفاً ساماً رمى بمصداقية «المشاركة الانتخابية من أجل التغيير»، في سلة قُمامة الفوضى التي تتفجر منها مُشكلات لايقينية تتقاطع مع اليأس العام وضآلة الخيارات المحتملة، بظل همينة السَّردية الطائفية وتفوق آليات الفساد والانقسام، وهدماً للمُتخيل الاجتماعي عن صوابية الممارسة الديمقراطية، بوصفها الخيار السَّلمي المتبقي للمجال العام في اختبار قوته السياسية بفرض التغيير على البُنى السُلطوية وازاحتها.
النَّجفي في فتواه، حلَّلَ «شرعاً» للناخبين «قبول العطايا [المالية والعينية ومصدرها المال العام المنهوب] والأراضي لأنها أموالهم وحقوقهم، لكن على من يقبلها أن لا ينتخب من أعطاها»، على اعتبار إن «إعادة انتخاب الفاشلين محرم شرعاً»، معترفاً ضمناً بأن المال السِّياسي هو مال منهوب؛ مقترحاً آلية تلاعب وابتزاز ولصوصية اجتماعية، وتفويض فقهي لـ«نفاق انتخابي»، يُهدر شفافية عملية الاختيار والتَّصويت، ويُشكك التَّفضيلات الناخبية الاجتماعية الفعلية بجدوى «المشاركة» في عملية فارغة المعنى والمضمون والنَّتائج.
تُعزز هذه الممارسات والاستقطابات و«الفتاوى»، شروط «قابليّة الخداع»27، الذي يُعمق من فجوة التَّمثيل السَّليم في ظل «نُظُم سلطوية انتخابية»، مما يُروج على نحو فعَّال للتَّصويت المصلحي المُشوه، ويُشيع نمطاً من الزبائنية وتبادلاً مشروطاً للأصوات على أساس حيازة منافع فردية ضئيلة مقابل الدَّعم الانتخابي، مما يخلق كتلة تصويتية تائهة وفاقدة للأهلية تعيق التَّمثيل السِّياسي العام28. إذْ يعتبر المصوتون الذين يقايضون ارائهم التَّمثيلية (الاصوات)، مقابل الحصول على نفحة مالية ضئيلة، او وجبة طعام، او سلعة عينية، بمثابة «انتصار» او «انتقام» من السِّياسين الذين يسعون الى خداع النَّاس بالوعود الفارغة. لكن الكُلفة الحقيقية باهظة للغاية. إذْ يحصل السِّياسيون وبثمنٍ بخسٍ على «التَّفويض الشَّكلي» اللازم لوصولهم الى السُلطة، ما يعيق صعود الخيارات الاكثر انسجاماً مع الطموحات الشَّعبية على اساس «التكافؤ والإنصاف» التي يتطلبها نموذج «الانتخابات الحرة والنزيهة»29؛ مما يُبقي العموم محروماً من التمثيل العادل، والادارة الرَّشيدة للثروة والخدمات، وصياغة سُلطة عاقلة اقل سُلطوية واكثر تمثلاً للمطلبيات الاجتماعية.
صفقة قُم والنَّجف لضبط مقتدى الصَّدر
في ضفةِ النَّجف الاخرى، ظل مقتدى الصَّدر بلا مرجعية تَمنحه «الاذن والحصانة والغطاء الشَّرعي»، بعدما تخلى عنه مرجعهِ القُمي كاظم الحائري، لجهة مقاربات الصَّدر في الجَّبهة الدَّاخلية، وموقفه الدَّاعم لـ«الثَّورة السورية»، ورفع انصاره لـ«علم الاستقلال الدمشقي» في تجمع جماهيري ببغداد. لذا حين ذهب الصَّدر، في شباط/ فبراير 2014، الى «الاعتزال السِّياسي»، كان ضمن ترتيباتِ صفقةٍ فشلت بين المرجعيات الايرانية والنَّجف، لاعادة استيعاب الصَّدر واحتوائه، ولملمة جناحه السِّياسي من تيارِ انصارٍ واسعٍ الى «مؤسسةٍ منضبطةٍ تعمل وفق مقتضيات المناخ العام»، فضلاً عن «تفكيك خلاياه والويته وسراياه المسلحة»، بما يُمهد لـ«اعتراف أحد المراجع الكبار كراعٍ أساسيٍ له»30.
مضى الصَّدريون بالصَّدع الشِّيعي الى توسعته، رافعين سقف المطلبية الانتخابية الى نيل 70 مقعداً، تعبيداً لمشروعٍ انعزالي يُهدد النُخبة الشِّيعية، بما يضمن توليهم سُلطة الدَّولة وإدارة الحكومة التنفيذية الماسكة بالأمن والاقتصاد، متمتعين باريحية نيابية داعمة، مقترحين «الخادم المحبوب» محافظ ميسان – حينها – علي دواي، لرئاسة الوزراء، رُغم عدم ترشحه نيابياً. في النهاية، لم يحصل الصَّدريون سوى على 33 مقعدٍ، جمعوها من لوائحهم المختلفة.
الصَّدع السُّني: مُنازعات الخصوم المُتلونين
سُنياً، تنافس بضراوة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك، على مقاعد الطائفة التي تبعثرت مُدنها ودُمرت، وتناثر ناخبوها على مخيمات العزْل الأمني والنزوح القسري، بفعل سيطرة المجموعة الارهابية «الدَّولة الاسلامية – داعش» على ثلثي مساحة البلاد، والاعمال الانتقامية المُضادة لـ«جماعات الحشد الشَّعبي». وبيّنما «قاتل» النُّجيفيان [اسامة واثيل]، من اجل الا يخسرا مقاعد المحافظة المنكوبة نينوى، واجه تحالفهما «متحدون»، خصوماً متلونين في بغداد، ديالى، صلاح الدين وكركوك، كالقائمة «العربية» للمطلك، و«الوطنية» لعلَّاوي، و«ائتلاف العراق»، التَّشكيل الشِّيعي السُّني المقرب من نوري المالكي، أو كما سُميو حينها بـ«سُنة المالكي». الكتلة التصويتية السُّنية، كانت مُتصدعةً ومنقسمةً بشدة.
في الصَّدع السُّني، راهنت لائحة «كرامة» التي مثَّلت اولى بوادر استثمار المال من طرف خميس الخنجر سياسياً، كثيراً على النازحين من الانبار والمهجرين السُّنة في الخارج، لكن حظوظ اللائحة كانت تضعف تدريجياً مع ازدهار مُغريات التَّنافس الحامي ما بين المطلك والنجيفي. إذْ تواترت الاشارات – حينها –31، على إنَّ الناخبين السُّنة المحافظين دينياً واجتماعياً، تبنوا ميلاً تصويتياً نحو «متحدون»، بتأثير نشاط ملحوظ لخطباء جوامع ورجال الدين باتجاه الكتلة النُّجيفية. بيّنما القاعدة التصويتية للائحة المُطلك، مثَّلها السُّنة المعتدلون والمفصولون لـ«اسبابٍ بعثية»، اضافة الى العائلات الاقل تديناً والاكثر انفتاحاً، ومنتسبو الجيش السَّابق من غير المنخرطين في الجَّماعات المسلحة لاسيما في محافظتي ديالى، وكركوك.
«سُنة المالكي» أو جماعة «ائتلاف العراق»، الذي موله رجل الاعمال السُّني فاضل الدبّاس، المتورط في استيراد اجهزة كشف المتفجرات الفاسدة، والصَّادرة بحقه اوامر قضائية، رمت شباكها الانتخابية في السَّاحة المُكتظة، أملاً بهامش تصويتي قد تحظى به بين «السُّنة المنبطحين»، و«الشِّيعة الانتهازيين من الليبراليين والعلمانيين»، على اعتبار توظيفها لوزير التخطيط الاسبق الرَّاحل مهدي الحافظ، كمرشحِ جذبٍ حمل «الرَّقم واحد» في بغداد.
ما بعد الاقتراع: ليلة الضَّرب بالخناجر في بغداد
أُقصي «طامع الولاية الثالثة» العنيد من حلبة العراك «الشِّيعي» على تشكيل حكومة ما بعد الكارثة [بروز قوة داعش وسقوط الموصل حزيران/ يونيو 2014]، التي احدثها بقاء المالكي طويلاً في السُلطة، خرَّب فيها بُنية النِّظام الجديد، وكاد يتسبب بتفككه أمنياً وسياسياً، اثر معالجاته الاستفزازية التي أدت الى خروج عدة محافظات مُحتجة ومعارضة من سيطرة السِّيادة الحكومية، وتمكين المجموعة الانتقامية المُسلحة من الظَّفر بنحو ثُلثي التراب الوطني واقامة «خلافتها المُفترضة».
عبر دورتين مريعتين من حُكمٍ فرديٍ مُشبع بشراء «الولاءات» الزبائنية والمساومات السِّياسية الضَّارة بالمال العام المنهوب، اختزل المالكي في مجموعته النَّافذة الدَّولة وهياكلها التنفيذية، وفي شخصه صُنع القرار والحُكم، مُهيمناً على القضاء، ومُكرساً لنفسه «سُلطة إنفاذ القانون» عبر إدارة وزارتي الداخلية والدِّفاع وجهاز المخابرات، كراعٍ عصبوي مُتخم بـ«هستيريا» الاقصاء والازاحة، تخوين الشَّراكات، والقمع القائم على «البارانويا» وعدم الثِّقة، فضلاً عن ايمانه المُفرط بتكسير المجال العام.
أُقصي إثرَ اتفاقٍ مُضنٍ تملَّصت عبره بصعوبةٍ كتل «التَّحالف الوطني»، منقوصاً منها الحليف «الكاثوليكي» حينذاك، مُشغل منظمة بدر السِّياسية المُسلحة، هادي العامري. فحتى «الدَّعوة»، الحزْب والكتلة، إنزاحت عن المعركة التي شخْصَنها المالكي حول «ضرورته التاريخية» بوصفه «مُختاراً للعَصْر»، حتَّى لم يعد لديه من يُناكفه.
عاشت بغداد ليلةً من التَّرقبِ والشَّحن الأمني، بعد منتصف ليل الأحد ــ الاثنين [09و10 آب/ اغسطس 2014]، مع آخر ظهور للمالكي، بدا فيه مُجهداً وعارفاً بالمصير الذي سيواجهه مع تفعيل الانقلاب «الشِّيعي» ضده، مُلمحاً الى نيته تعبئة الشَّارع، أطلاق جماعات ميليشياوية ضد خصومه، طالباً من أنصاره المأخوذين بتسارع الاحداث والخشية من سقوط العاصمة «أعلى درجات الحيطة والحذر والترقب». كان المالكي يُريد لنفسه ولمجموعته الصَّغيرة المحتشدة خلفه بالمصالح، عفواً سياسياً يضمن عبره افلاتً طويل الأمد من المُحاسبة، ووعوداً بعدم الاقصاء، أو ملاحقاتٍ قضائيةٍ تُنهكه، ولا تُبقي له على شبكة النَّهب والنفوذ والمطامع الواسعة التي بناها في قلب البيروقراطية الحكومية الخاضعة للتحاصص.
مع الظهور الثاني للمالكي، بدا أكثر صدمةً واجهاداً، وكأنه يغوص عميقاً في دهاليز رأسه باحثاً عن لفحةٍ نارٍ انتقامية يُطلقها في وجوه حلفائه المُنطفئين من حوله. ظهر مُتجهماً عند باب مقر إقامته في «المنطقة الخضراء»، بمعية عددٍ خجولٍ من أعضاء كتلة «حزب الدَّعوة». لم يتكلم، لم ينظر مباشرةً إلى الكاميرا، واقفاً إلى جانب النائب عبد الصَّمد خلف، القادم من البَصْرة البعيدة، متنازلاً عن رئاسة مجلسها التَّشريعي، لتمثيل «الدَّعوة» نيابياً. أعلن خلف أن الرئيس المُكلف حيدر العبادي، كبديلٍ عن المالكي، لا يُمثل «الدَّعوة» او كُتلتها الحزبية في «ائتلاف دولة القانون»، بل «يمثل نفسه فقط»، وإنَّ تكليفه اثر ادعاء العبادي حصوله على موافقة 38 نائباً دعوتياً يعدُ «باطلاً»، منوهاً بأن كُتلة «الدَّعوة»، وتضم 54 نائباً، وافق 44 نائباً منها على المُضي بالمالكي الى ضفافِ ولايةٍ ثالثة.
حظي المالكي بترتيبات مُجزية لفك أزمته حتَّى ليل الأحد [10 آب/ أغسطس 2014]، حائزاً على مغانم ارضائية ضمن الهيكل الحكومي الجديد، بما يحفظ له «ماء الوجه»، ويبقيه على قيد العمل السِّياسي. لكن كان للرجل تعنته الغريب32، ما جعل القوى الشِّيعية أمام مأزق انتهاء المهلة الدستورية، مع قناعةٍ باتت أكيدة بأنه «لن يُغير مواقفه»، ويريد تضييع مزيداً من الوقت لإهدار دم «التَّحالف الوطني» على مذبح الطموح الشخصي.
الإجهاز على المالكي: القتل بـ«السيستاني»
قَلَّبَ الشَّارع والمجموعات السِّياسية، صمتَ المالكي في ظهوره الاخير كمنافسٍ يُصارع مآلات قتله سياسياً، على إنَّه مؤشر خطورة، ينطوي على احتمالات تصعيد تختمر في رأسه، كأن يذهب الى تشكيل «حكومة أمر واقع» انفرادية من طرفٍ واحد، مُستغلاً الفوضى الأمنية، مع تنامي جدية التهديدات الوجودية ضد النِّظام المُتمترس خلف نزعته الطائفية.
قُبالة التَّخوفات العامة من خطوة المالكي الخاسرة المُقبلة، كان الاخير خاوياً لا قُدرة له على نقضِ مرسوم التَّكليف المدعوم اميركياً، مدركاً إنَّ السَّير وحيداً وسط افواهٍ جائعة لمغانمَ اكبر من مكاسب التَّحالف معه، ستجعله يواجه الحراب «الشِّيعية» الموجعة، مُعززةً بطردٍ اقليمي ونبذٍ دولي. لذا ناور المالكي مُجدداً، ضمن المساحة المحدودة المُتبقية له، محاولاً تنسيق التفافٍ تسوية على الاتفاق السِّياسي العام، همهُ ابعاد العبادي، وترشيح عنوانين بديلين عنه من «ائتلاف دولة القانون» ومن خارج تنظيمات «الدَّعوة».
أحدثت تحركات المالكي، صدوعاً عميقة في البُنية الحزبية لـ«الدَّعوة»، التي تشظَّت الى تكتلاتٍ صغيرةٍ مأخوذة بمخاوف إبعاد الحزب كُلياً عن السُّلطة، وحرمان حزبييه وقياداته من «المواقع والمناصب»، ما يعني انهياراً تاماً لحزب اعتاش على فرضية ارتباطه بفكرة «معارضة حكم الفرد»، وحين وصل الى السُّلطة تفتت بفعل انتهازيته المتمحورة حول «فرد» يحاول استملاك الدَّولة. ولجهة الإفلات من الانتقام المالكي المُتوقع، الذي قد يطالهم في حال تكتلهم المُعلن ضد «الولاية الثالثة»، اندفعت قيادات دعوتية الى مُكاتبة مرجعية السِّيستاني في 25 حزيران/ يونيو 2014، بمؤدى «نحن نتطلع الى توجيهاتكم و ارشاداتكم، ونعاهدكم أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة، وفي كل المواقع والمناصب، لادراكنا بعمق نظرتكم ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية»33. نجحت القيادات الدعوتية باستنطاق المرجعية العليا، للخروج من مأزق المواجهة الحزبية مع المالكي، برسم طريق إزاحته والإجهاز عليه عبر سُلطة روحية مُعتبرة.
استغرق ردُ النَّجف نحو اسبوعين، وجاء ممهوراً بورقةٍ من البرَّاني رسمياً في [08 تموز/ يوليو 2014]، بملاحظةٍ مُلتقطةٍ بذكاء من المكتب المرجعي، بأن رسالة الدعوتيين، كانت طلباً لـ«التوجيه ما يخص المواقع والمناصب»34. شدَّدَ السِّيستاني في توصيتهِ على «ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء»، بمواصفات لا تنطبق على المالكي قطعاً بأن «يحظى [المُكلف] بقبول وطني واسع» و«يتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم». الرِّسالة كانت المرحلة الثَّانية بعد مناورة النَّجفي على طريق التدًّخل المرجعي في شأن سياسي – انتخابي عام، ولربما حتَّمت الضرورة بأن يُنتزع المالكي كعشبٍ ضارٍ بمعزقٍ باطش.
أخفى الدعوتيون «ورقة البرَّاني» شهراً، متمركزين على فرضية تراجع «الطامح» عن مسعاه. غيّر إنَّ النَّجف، أوحت بمضمون ردَّها على نحو عائم ومختزل، في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي [11 تموز/ يوليو 2014]، بأنَّ «حل الأزمة الرَّاهنة يقتضي تجاوز (الأنا)»، والذهاب الى «تشكيل حكومة جديدة تحظى بقبول وطني واسع، لتضع الحلول الجذرية لمشاكل البلد وأزماته المتراكمة»35. بعد نحو شهر، في 11 آب/ أغسطس 2014، هاتَفَ جون كيري، وزير الخارجية الأميركي آنذاك، الوزير المُكلف حيدر العبادي مُهنئاً وطالباً بالأمر «أن لا يمضي بسياسة المالكي نفسها، وأن يصحح الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها الاخير في ادارة الحكومة».
المُرشد الإيراني يتبرأ من خطأ «المالكي»
الرِّسالة السِّيستانية والاستجابة الاميركية، وأدتا بحسمٍ المالكي. قُبالة ذلك، أَشَّر – حينها – مصدرٌ سياسيٌ في كتائب «حزب اللَّه العراق»36، على ان المُرشد الخامنئي «أبلغ دائرته السِّياسية برفع اليد عن المالكي منذ نحو شهرين»، عقب سقوط الموصل في حزيران/ يونيو 2014. إذْ إنَّ «خامنئي والقيادات الإيرانية أدركوا أن دعم المالكي في مسعاه (الولاية الثالثة)، سيكون خطأً جسيماً لا تريد طهران التورط فيه». المعلومة توطدت مصداقيتها لاحقاً، مُذ باشر مُقتدى الصَّدر حملته لجر المالكي الى محاسبة سياسية و«قضائية»، كاشفاً إن «قيادات ايرانية ابلغته انها لا تدعم ولاية ثالثة للمالكي». تصريح الصَّدر استشكلته طهران بـ«النَّفي»37، ريثما تُكمل نسج شبكة حماية عتيدة حول المالكي منعاً لمحاكمته، اتضحت باستقباله من قبل خامنئي في طهران تكريماً لـ«الشجاع والمُقتدر الذي حافظ على العراق، ومنع انزلاقه إلى الاضطراب والفوضى»38.
اعلن المالكي انسحابه في [14 آب/ أغسطس 2014]، عبر خطابٍ مطولٍ بحضور نائبه لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني وأعضاء من ائتلافه، فضلاً عن المُكلف بالوزارة حيدر العبادي، مستعرضاً على نحو مُسهبٍ «انجازاته» على رأس حكومة الأعوام الثمانية المريرة، مُطلقاً سرْدية غاضبة، مضللة تُصر على فرض هيمنة ماسخة على فضاء عام مبعثر، يواجه تحدياً ارهابياً وجودياً، مُدافعاً عن بقائه السُلطوي: «لقد تعرضت شخصيا لهجمة ظالمة (…) حتى اتهمت بالتَّشبث بالسُلطة مع أنه كان دفاعاً عن الوطن، وعن الحق».
حكومة العبادي: الصِّدوع الطائفية تتخندق مجدداً
في سياق العودة الى ذات النَّمط الارتكاسي القائم على تشطير المجال الوطني الى جبهات متقابلة تخوينية، تزدري الصعود الى خطاب موحد، مُتخندقةً ببرامج فئوية ضمن الحيّز الهوياتي، عادت الصِّدوع الشِّيعية والسُّنية الى الالتئام في تكتلات مواجهة سياسية، صاغت بعمق مناورات تشكيل حكومة المُكلف حيدر العبادي.
ما بيّن سقوط طموحات «المالكية السِّياسية» في منتصف آب/ اغسطس، وولادة حكومة جديدة في الثَّامن من ايلول/ سبتمبر 2014، اشتبك «التَّحالف الوطني»، الاطار الجامع الجديد للشِّيعية السِّياسية، مع القوى السُّنية المؤتلفة في «تحالف القوى العراقية»، فضلاً عن الطيف الانعزالي الكُردي في «ائتلاف القوى الكردستانية»، على البرنامج الحكومي وتثبيت المطلبيات المُعلنة التي رأى فيها كل طرفٍ استحقاقاً على اجندة السِّياسة العامة؛ بينما ظلَّ التَّنازع شرساً ومحتدماً على تقاسم الحصص الوزارية والمواقع البيروقراطية الحكومية المتقدمة.
رغم التَّطمينات التي دفع بها المُكلف، بأنَّ التَّشكيلة باتت مُيسرة على اعتبار «إيجابية التفاوض مع الكتل»، تفجَّرت بالونات اختبار وضغط من اطراف المواجهة، بأنَّ العبادي تعثَّر في لملمة التَّنازع بيّن التَّحالفين السُّني والشِّيعي، حتَّى ناور السُّنة بفرضية استبدال العبادي بمُكلفٍ آخر بوصفه «مالكي جديد»، تدعمه اطراف شيعية مؤمنة بـ«منهج الحكومة السَّابقة»، التي اوصلت العراق إلى «ما هو عليه الآن من شلل كامل»39. بات «التَّحالف الوطني» في موضع «الدِّفاع عن التكليف» تحت مظلَّة تحذير إيراني بالجملة الصَّريحة: «لن نقبل اعتذار المُكلف، وعلى الجميع فهم المعطيات الميدانية على الأرض، وما هو على الأرض سيكون هو الموقف في السِّياسة»40.
لَعبِ الايرانيون مستثمرين توافقاتهم المرحلية مع الدِّيمقراطيين (ادارة الرَّئيس باراك اوباما)، دوراً عميقاً في بلورة حكومة المُكلف العبادي، التي لم تذهب نحو صياغة نفسها او برنامجها بعيداً عن السَّردية الموروثة عن ديناميات تشكيل الحكومات السَّابقة، بمعنى الذَّهاب الى الصَّيغة الائتلافية القائمة على التَّحاصص الطائفي – العرقي برعاية تدخلية اقليمية ودولية، بغض النَّظر عن الارادة التَّمثيلية الشَّعبية للناتج الانتخابي، متعكزةً على «وثيقة الاتفاق السِّياسي»41، التي تم تضمين بعضاً من مُخرجاتها في «البرنامج الحكومي»42 من اجل نيل «الثِّقة النيابية» لجميع اجنداتها وسياساتها التنفيذية اللاحقة، والتي بانت فيها ملامح «نهج إصلاحي»43.
معضلة «الحرس الوطني»: «المسألة السُّنية» لاعادة الاعتبار
التشكيلة العبادية؛ المعوَّل عليها لفك الاختناقات الامنية والسِّياسية التي راكمتها باجتهاد فترتي التَّسلط المالكيَّتين، كانت تَمثُلاً لرغبات مُزدحمة اقليمية ودولية ومحلية، لاسيما ما يتعلق بكيفية التَّعامل مع «المسألة السُّنية»، وغالباً ما كانت مدفوعةً بمخاوف «أمنية»، على صلة بتكثيف برمجة الحرب على الارهاب والقضاء على «الدَّولة الاسلامية – داعش»؛ فضلاً عن اعادة ترتيب علاقات الاستقرار داخل النِّظام عبر تسوية مساحة «المظالم» السُّنية الواسعة، والمطلبيات الكردية التي تنشد تمتين سُلطتها اللامركزية شمالاً على نحو يحقق لها «انفصالاً» غير مُشهَّر تموله المركزية العراقية، بما في ذلك «تسليح» قوة الرَّدع المحلية الميليشياوية «البيشمركة»، الذي اعتبره المُكلف «لا يشكل خطراً بفرض التَّنسيق مع بغداد»44.
«المظالم» السُّنية الواسعة التي قاربت اكثر من 14 مطلباً – وقتذاك –45، وضعت كشرطٍ اساسي للقبول بالصَّيغة الائتلافية الحكومية، رأى فيها السُّنة قبل كل شيء، تأطيراً لإعادة الاعتبار، وخطوة نحو الاعتراف بهم مُجدداً كشركاء مقبولين ضمن الفضاء الوطني، بعد مرحلة التَّجريف والنَّفي والطَّرد والتَّنكيل التي ارتكبتها بحقهم «النُخبة الشِّيعية» عبر هراوة «المالكية السِّياسية».
المحاولة السُّنية لـ«إعادة الاعتبار»، تقصَّت على نحو مباشر «رفع التَّهميش»، وفرض صيغة جديدة من التَّوازن، قائمة على ايجاد هيكل أمني موجَّه الى حماية «النُخبة والمُجتمع» السُّنيين، من خطط تدميرهما بزعم «مكافحة الإرهاب». بِمعنى موازنة القوة، ومنح تلك النُخبة مساحة مريحة للتَّعبير والدِّفاع عن برامجها وطموحاتها السِّياسية، مع ضمان عدم تعرضها للاجراءات القمعية الشَّيعية، عبر تفويض وتوطين درع امني «يتحرك بصلاحيات سُنية تمنح للحكومات المحلية في محافظاتهم»، والذي أُقترح تسميته بـ«الحرس الوطني»، أثر انهيار الثِّقة بعقلانية «جماعات المصالح» داخل النِّظام، وبـ«العسكرية العراقية» قُبالة صعود «الحشد الشَّعبي»، كقوة بديلة عن المؤسسة الوطنية؛ واخيراً تحوّل نمط التَّخوين الذي بُني على مدى عقد تقريباً، الى نمط انتقام مع اشتداد العمليات العسكرية في المناطق السُّنية.
اعتبر السُّنة مطلبية بناء هيكل امني مُضاد للهياكل المسلحة الشِّيعية، جوهرة اولويات التَّفاوض، لتطويب الشِّراكة والتَّحاصص في «حكومة الوحدة الوطنية 2014». بالمُقابل رأت فيها النُخبة الشِّيعية سحقاً لكل ما حققته «المالكية السِّياسية»، وتفرعناً يجب اقتياده الى منطقة القتل دون اللجوء الى إرث والاعيب المواجهات السِّياسية السَّاخنة السَّابقة، طالما ثَّمة مواجهة عسكرية تُجرى ميدانياً؛ بل يُمكن التَّملص والافلات من المطلبية، عبر تأطيرها وتحطيمها سياسياً بـ«قانون»، ومن ثم تتكفل التَّدخلية الاقليمية والدَّولية بافراغه من الجوهر السُّني، وتحويل القوة، – إن ابصرت النور -، الى «أداة دولتية» تتحكم بها «النُخبة الشِّيعية» عبر «رئيس الوزراء».
حين تحرَّر السُّنة من «المالكية» السِّياسية والامنية، شعروا إن المسار الذي يُمكِّنهم من استعادة مكانتهم «المركزية»، يجب ان يوصلهم الى تشكيل «جيش سني»، لكنه بدا «مخرجاً عاطفياً لمعضلة اجتماعية وسياسية»، فضلاً عن كونه جرأة مثيرة ناجحة واستباقية عبر تصعيد المُطلبية الى مستوى سياسة عامة و«اجندة» تتبناها جميع اطراف النَّظام، بوصفه حلاً تم توقيته بذكاء ليبدو ايضاً عملياً وقابلاً للتطبيق من اجل تسريع تحرير الموصل والحوض الغربي.
المطلبية ايضاً كانت مدفوعةً بمخاوف وجودية آنية ومستقبلية، مرتبطة بتسارع بناء «الجَّيش الشِّيعي» كُبنية سُلطوية عائمة على «فتوى»46، دون مشاورة النَّظام السِّياسي او النَّدوة التَّشريعية. بالمقابل تَنبَّهت «النُخبة الشِّيعية» بأن المطلبية فيها تحولٌ الى «الندِّية»، والسَّعي الى تقاسم فعلي للسُلطة (نحو 40٪)47، لا القبول بتمثيل «واقعي» في برنامج التَّوزيع السِّياسي (نحو 33٪). لذا انتقلت حُمى «رد الاعتبار» الى القوى الشِّيعية، التي قرَّرت لملمة تصَدَّعها من اجل ضبط ارتفاع مناسيب الطموحات السُّنية واعادتها الى الحد المنخفض بما يُمكِّن من السَّيطرة عليها؛ «في تلك اللَّحظة كان الشِّيعة الذين يصفون أنفسهم بالمعتدلين، قد قرروا لعب دور أكثر مرونة لاستعادة دورهم كغالبية سياسية، فالتفوا حول العبادي الذي صار واجهة لهم»48.
محاولة «دمج» حائط البنادق السُّنية في الهيكل الامني العراقي المُشتت، والذي يفتقر الى الحوكمة والاصلاح والضَّبط والمُراقبة، اثارت مخاوف جدية لدى المجال العام غير المُنحاز بشأن مخاطر تطبيع «ميْلَشَة»49 القطاع الأمني، الذي بات «هجيناً» و«متمرداً» وممتداً الى حقول ولاء اقليمية ودولية، الى درجة لا يمكن فيها استيعاب ديناميات تشغيله وبناءه او انهياره، او حتَّى تحوَّل اجزاء منه على نحو مفاجئ من ممارسة دور مؤسسي ضمن الخدمة العامة في نطاق الدَّولة، الى ميليشيات وعصابات امنية مرتبطة بـفصائل و«جماعات مصالح».
مخاوف المجال العام غير المُنحاز، تظل مُحتجزة في نطاق التَّفكير الوطني والمُتخيل الاجتماعي عن العدالة والرَّشادة و«بناء الأمة»، وخارج الخيارات التَّفضيلية لقوى القرار والنفوذ داخل البُنى السُلطوية. بالتالي؛ هي ليست بالمخاوف التي تتحول الى «سياسات». إذْ إنَّ المخاوف الاكثر تأثيراً تنشط ضمن «حالة الصِّراع والتَّقاطع» التي تؤطر دينامية الهيْمَنة. بمعنى إنَّ «المسألة السُّنية» و«الحرس الوطني» بالاصل هو تنازع على «الهيْمَنة»، وعلى «المساحات الامنية» التي تعزز التَّفوق السِّياسي. من معاينة جانبية مُضافة؛ الصِّراع حول «الحرس الوطني»، كان صراعاً للنظام مع مكوناته، صراع المجموعة الغالبة مع الجماعة الأضعف.
«النُخبة الشِّيعية» والفصائل المُسلحة التي تُعزز تفوقها السِّياسي والسُلطوي50، وفقاً لمعاينة خبير دراسات أمن وعسكرة51، رأى في تسليح السُّنة «سعياً آنياً أو مؤجلاً الى استعادة الهيْمَنة، وإعادة شيعة العراق مرة أخرى إلى مواطنين من الدَّرجة الثَّانية»، وآثار شكوكاً تصل الى حد اليقين بأن سكان المناطق السُّنية حال تسليحهم «سينحازون إلى تنظيم الدولة الإسلامية»، في حين تفعيل مشروع القانون لعودة الضباط البعثيين السَّابقين52، حفَّز ايضاً «معارضة من قبل السِّيستاني والصَّدر». من مقاربة اخرى؛ السَّماح بوجود قوة مسلحة سُنية تتمتع بارادة منفصلة عن هيْمَنة النِّظام، سيمنح السُّنية السِّياسية قُدرة الضَّبط والهيْمَنة على بيئاتها الاجتماعية والتَّصويتية، ويطور من قابلياتها في تمثيل المطلبيات والمظالم، وصولاً الى طرح نموذج قد يكون انجح من النموذج الذي تؤطره «النُخبة الشِّيعية»، وقد يستقطب ناخبية شيعية ساخطة، بما يُفهم على انه صناعة حكم بديل عن الصيغة القائمة.
المُطلبية الكُردية: مزيداً من المال والأراضي بـ«نية الانفصال»
لم يكن السُّنة فقط عقبةً امام تأهل الحكومة؛ إذْ برزت المطلبية الكُردية الاستحواذية، التي استهدفت ضم مناطق وقُرى ومساحات في نينوى وكركوك الى «حدود» محمية الحزْبين المُسماة «اقليماً». كانت نية الاكراد مُبيَّتة لتفجير «حكومة العبادي» اكثر من مرة لاحقاً، عبر التصعيد سياسياً وعلى مراحل، بدءاً من لحظة الترويج لعدم تحقق مطالب المُشاركة في تشكيل الحكومة، ومهلة الاشهر الثَّلاث، انتهاءً بالاعلان الفاشل لـ«الانفصال» عقب «استفتاء» 25 أيلول/ سبتمبر 2017.
مطالب الأكراد، إتَّسمت بنزعتها الدَّائمة الى تفكيك وحدة التراب الوطني العراقي على نحوٍ مستفز، بأن تحقق «حلم الدَّولة» عبر الاستحواذ على مزيد من الارض والمال اولاً، حيازة مساحات تشكل حدوداً لخطوطِ ترسيم وتسوية «المناطق المتنازع عليها» مستقبلاً53. إذْ إنَّ الاكراد «استغلوا هشاشة العراق بعد 2003، وتصرفّوا كدولة ذات دبلوماسية أحادية الجانب، أو ذات سيطرة على صادرات النفط، وفشلوا في التوصل إلى نظرةٍ واقعية لاحتمال الاستقلال»54.
بالنتيجة؛ وضع الأكراد عُصارة مطالبهم في ماكنة التفاوض على تشكيل حكومة ما بعد المالكي، مُبرزين ضرورة تطبيق المادة 140 من دستور 2005، لتبرير «ضم كركوك» ومناطق اخرى «متنازع عليها»، مع ضمان استمرار تمويل ميزانية «الحكم الكردي» لشمال العراق، والسَّماح بانتاج وتصدير النفط والغاز خارج البرنامج المركزي للحكومة الاتحادية، فضلاً عن دفع رواتب قوة الرَّدع المحلية الميليشياوية «البيشمركة»، وإلاّ فإنَّ البقاء في الحكومة مشروطٌ بـ«تحقيق المطالب» ضمن مهلة ثلاثة اشهر، «يُتخذ بعدها ما يرونه مناسباً»55.
سار السُّنة والاكراد والشيعة، كُلاً في مجازهِ على حبلِ نارٍ مُشتعل، ورُغم إنَّ بعضاً من المطلبيات كانت فائقة الصِّحة، لكن الانقسام وسط تمدد جماعة مُسلحة باطشة مثل «داعش»، كان خياراً يَنمُ عن انتهازية بائنة، ودليلاً مُضافاً على عمق هشاشة الكيان السياسي وفشله في ضبط الجماعات ضمن نطاق «الامة». وبدلاً من التَّفاوض على صيانة آمال الناس بمنظومة وطنية عادلة، أُستدعي الضبط الاميركي لاطفاء الحبل المُشتعل. بالنهاية؛ الأرتال الضَّخمة من السَّيارات المُصفحة السَّوداء المُعززة بمقاتلي الشَّركات الامنية، لحماية تحركات السفير الأميركي روبرت بيكروفت (آنذاك)، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف (آنذاك)، المُتنقلين بين احياء ومناطق بغداد، حَسَمَتْ الموقف، بأن «يذهب الجَّميع الى الحكومة، بالحد الادنى من المطالب، التي سيتم معالجتها ضمن عمر الحكومة الافتراضي». نجح مسعى «اقبل ثم فاوض»، لكن حبال النَّار ظلَّت تستعر بالمطالب غير المُتحققة.
خلاصة التجربة: تأبيد ديناميات الهيمنة
أبرزت التجربة الانتخابية في 2014، بأنَّ أزمة أزمة الحكم لم تكن مجرّد تنافس انتخابي، بل عملية إعادة تشكيل قسرية لموازين الهيمنة داخل النظام السياسي، قادتها «المالكية السياسية» عبر مزيج من شخصنة السُّلطة، عسكرة المجال العام، وتوظيف مؤسسات التَّحكيم (القضاء) كأدوات نزاع. إذْ أسَّسَ نوري المالكي، خلال دورتين، لبنية زبائنية كثيفة حوّلت «الشَّرعية الانتخابية» إلى تفويض شكلي منخفض الجودة، ودفعت الكُلف الاجتماعية والأمنية نحو الانفجار؛ من تفكيك بدائل الحكم الأقلّ ضرراً إلى إنتاج فراغات سيادية أطلقت صعود «داعش» وما قابله من تشكيلات «الحشد الشعبي». بهذه الحصيلة، لم يترسّخ حكم ائتلافي مُستقرّ بقدر ما ترسّخت قابلية دائمية للاستقطاب، تُدار بالمال العام والأجهزة الأمنية والسرديات الهوياتية.
شِّيعياً، قادت «المالكية» إلى تفكيك «المركزية الشِّيعية» التي قامت منذ 2003 على ثلاث ديناميات: تطبيع الاحتلال، كسر المعارضة السُّنية، والبحث عن غطاء اجتماعي هشّ. بحلول 2014، تشَظَّت الكُتلة الطائفية شيعياً وسُنياً الى أقطاب تنازع، بيّنما تحوّلت «المرجعية الدينية»، من مظلة ضبط ضمنية إلى لاعب حاسم في «إقصاء سياسي» قطع الطريق على «ولاية ثالثة»، تزامناً مع تسييسٍ سافر للسلطة القضائية، ظهرت ذروته في تفسيرات «الكتلة الأكبر» وتقويض قانون تحديد الولايات، بما رسّخ نموذج «Judicial capture»، بما جعل القضاء جزءاً من «عدة الشغل» التحاصصية، لا رافعة لاستقلال السُّلطات والتوازنات.
سُنياً، أعاد سقوط الموصل وتحوّلات 2014 طرح «المسألة السنية» بوصفها نزاعاً على أدوات الحماية والهيمنة، فبرز مطلب «الحرس الوطني» كآلية لاستعادة التمثيل والأمن المحليين. غير أنّ استجابة «النُّخبة الشيعية»، ظلَّت مؤطرةً بمنطق تفجير المزيد من الازمات ورفع المخاطر الى مستويات افشال الدَّولة. أما القوى الكردية، تعاملت برؤية انتزاعية، تُراكم الأرض والموارد ضمن أجندة تفاوض دائمة (المادة 140، الإيرادات، رواتب البيشمركة)، ما زاد هشاشة «العقد الاتحادي» وحوّل التَّشارك إلى مقايضة مشروطة.
يُناظرُ ذلك كله أزمةَ معنى «الديمقراطية» ذاتها المؤطَّرة بغياب تنافسية معلوماتية نزيهة، شراء الولاءات، تدْيين الاختيارات عبر «الفتاوى»، وتحوّيل الاقتراع والمفوضية العليا للانتخابات الى ادوات صراع تُثَبِّت حدود الفصل الهوياتي، وتُكسِّر القوة الاجتماعية للتعبير السياسي للعموم المُتطلع الى التَّغيير؛ بما انتج نظام انتخابي يولّد حكومات ائتلافية قصيرة النفس، بلا برنامج ضبط اقتصادي–أمني موحّد، ويعيد إنتاج وتدوير نفس النُّخب والممارسات مُجدداً.
- Juergen Habermas Contradicts His Own Ideas When It Comes to Gaza, Asef Bayat, New Lines Magazine, 08 December 2023. ↩︎
- تنافس في انتخابات 2014، أكثر من تسعة آلاف مرشح و107 ائتلافات على 328 مقعداً بنظام انتخابات (النصف مفتوح، النصف مغلق)، على أساس كل محافظة دائرة انتخابية واحدة. بأصل توزيع المقاعد، فإنَّ المحافظات العراقية الثماني عشرة، لها 320 مقعداً، على اساس 100 الف نسمة لكل معقد، وفقاً للكثافة السكانية. العاصمة بغداد سجلت الرقم الاعلى بـ69 مقعداً، فيما كانت للمثنى سبعُ مقاعد فقط. المقاعد الثمانية المتبقية، هي مقاعد تمثيل المكونات (الأقليات)، وتوزعت على محافظات (بغداد، نينوى، كركوك، دهوك، اربيل)، على اساس مقاعد لـ(المسيحيين – الايزيديين – الصَّابئة المندائيين – الشَّبك)، حيث منح المكون المسيحي خمسة مقاعد، فيما الشَّبك والصَّابئة والايزيديين، معقد واحد لكل منهم، بحسب المحافظة التي يمثلون فيها تجمعاً واضحاً. ↩︎
- تمثلت بعمليات القمع السلطوية التي اتخذتها ما يُمكن ان نسميه بـ”المالكية الامنية” ضد شبكة الاحتجاج الاجتماعي في بغداد في العام 2011، والتي كان الجذر العُنفي لاستراتيجية قمع احتجاجات البصرة (2018 – 2020) من قبل سلطة المحافظ اسعد العيداني، وقمع “تشرين 2019” خلال العهد السيء والمُلطخ بالدم لحكومة عادل عبدالمهدي، وتقابلها لاحقاً الإجراءات الامنية المُضادة لتفكيك الحراك السلمي التي قادتها حكومة التسوية برئاسة مصطفى الكاظمي. ↩︎
- لاحقا وعقب انتخابات 2021، مقتدى الصَّدر غريم “المالكية السياسية”، يتبنى تلك السردية بمزيد من الاشتراطات المتعلقة بتصفية مجمل البرنامج السياسي الشيعي وحصره في اطار “الصَّدرية الانعزالية”. ↩︎
- مثلاً قمع احتجاجات العام 2013 في المناطق السُّنية. ↩︎
- اوامر القبض الصَّادرة بحق السياسيين السُّنة مثل، طارق الهاشمي، احمد العلواني، رافع العيساوي. ↩︎
- في جلسة حوارية مع عدد من ممثلي وسائل الإعلام العراقية والأجنبية بمنزله في النجف، شبَّه الصَّدر سعيه الى الاطاحة بالمالكي، “كالصلاة والوضوء، الوضوء مطلوب أولا، ونحن نريد أن نصلي لكن لا تصح صلاتنا إلا بذلك الوضوء، ولذلك فنحن نقول إن الإصلاحات لا يمكن أن تجري دون ضغوطات على الحكومة العراقية”. الصدر: سحب الثقة مقدمة للإصلاح، موقع الجزيرة نت، 25 حزيران/ يونيو 2012. ↩︎
- الصَّدر حمَّل فشل مسعى الاطاحة بالمالكي جراء “خيانة ضمنية” لانسحاب جلال طالباني من دعم الخطة، “حينما سمعتُ ذلك منه (يقصد طالباني) وأنَّه يُريد البقاء في الحياد، هالني ذلك بعد أن كنت سمعتُ منه أنه راغب في سحب الثقة، وأنَّه لا يستطيع أنْ يحمي الدستور ويُدافع عنه بوجود المالكي في سدة رئاسة الوزراء، وأنَّه مُقيَّد في الكثير من أفعاله، مع أنَّ الدستور كفل له صلاحياته الموجودة. وأنَّه بصفته حامي الدستور سيوافق على سحب الثقة منه لتلك الأسباب”. الصدر يشرح فشل سحب الثقة من المالكي، موقع الجزيرة نت، 06 آب/ أغسطس 2012. ↩︎
- مثالاً، إقرار قانون تحديد مدة رئاسة الوزراء بولايتين فقط، الذي نقضته المحكمة الاتحادية العليا. ↩︎
- SCHUMPETER, J.A.: 1950, Capitalism, Socialism and Democracy (1942), N. York, Third Edition, Harper & Brothers (Span. ver. Capitalismo, Socialismo y Democracia, Barcelona, Folio 1984).
انظر ايضاً المناقشة المعيارية النقدية التي راجعت اطار شومبيتر، عبر تحليل “ديمقراطية نخبوية أم ديمقراطية ليبرالية؟، من قبل أستاذ العلوم السياسية الإسباني فيران ريكيجو.
Elitist Democracy or Liberal Democracy? Schumpeter Revisited, Ferran REQUEJO, Universitat Pompeu Fabra, Working Paper n.42 Barcelona 1991. ↩︎ - مثلاً التكتل غير المنسجم للجماعات الشيعية فيما يُسمى بـ”الاطار التنسيقي”، الذي احتشد مقابل اقصاء المجموعة الصَّدرية التي ترفض التَّشارك الحُكمي مع بقية التمثيل السياسي للطائفة. ↩︎
- ما يتعلق بقرار المحكمة الاتحادية العليا «المسيس» الخاص بتفسير المادة 76 من الدستور المتعلق بتعريف «الكتلة الاكبر». ↩︎
- حصد المالكي في انتخابات 2014، منفرداً عبر لائحته “ائتلاف دولة القانون”، نحو 92 مقعداً، بما جعلها اللائحة الفائزة الاولى في السِّباق الاقتراعي. ↩︎
- برلمان العراق يمنع المالكي من ولاية ثالثة، الجزيرة نت، 26 كانون الثاني/ يناير 2013. ↩︎
- المحكمة الاتحادية تتيح للمالكي الترشح لثالثة، الجزيرة نت، 26 آب/ أغسطس 2013. ↩︎
- The Shifting Landscape of Iraq’s Judiciary: Increased Judicial Activism, Centralisation and Politicisation after 2017, Iraq Watch Group, LSE Middle East Centre, Paper Series (N° 98), February 2025. ↩︎
- صوَّت منهم فعلياً نحو 835 ألف عنصر فقط. راجع: غداة صمت الحملة الانتخابية.. 21 مليون عراقي يستعدون اليوم لانتخابات المصير، صحيفة الشرق الاوسط، 30 نيسان/ أبريل 2014. ↩︎
- وفقاً لتفسيرات المفوضية العليا للانتخابات حينها، فإن المقعد كان يُمثل 100 الف نسمة، فيما العتبة الانتخابية للحصول على مقعد، تتحدد وفقاً لنسبة التصويت في الاقتراع العام. ↩︎
- راجع: المالكي ينافس اليوم حلفاء الأمس، صفاء خلف، صحيفة الأخبار اللبنانية، 30 نيسان/ ابريل 2014. ↩︎
- لكنها دعمت بعد عقدٍ تقريباً تعديل قانون الأحوال الوطني في العام 2025. ↩︎
- حصدت لائحة “صادقون” الممثلة سياسياً لعصائب أهل الحق على مقعدٍ واحد فقط. لكن سنرى تحولاً غير معياري او منطقي في عدد مقاعد الجماعة في انتخابات 2018، بلغت نحو 15 مقعداً. ↩︎
- مرجع شيعي يحرم انتخاب المالكي، موقع إرم نيوز، 29 نيسان/ ابريل 2014. ↩︎
- المرجع النجفي يحدد الاصلح في الانتخابات: عمار الحكيم ابني وابن المرجعية والأقرب للحوزة، موقع الأخبار، 23 نيسان/ ابريل 2014. ↩︎
- ترتبت عليها مثلاً، فتوى كاظم الحائري ضد مُقلده مُقتدى الصَّدر عقب انتخابات العام 2021. ↩︎
- أستاذ في الحوزة: تحريم النجفي انتخاب المالكي لا يتعارض مع موقف السيستاني، صحيفة الشرق الاوسط، 30 نيسان/ ابريل 2014. ↩︎
- راجع الإطار النظري لهذه الفرضية التي وضعها مايكل كوهين، جيمس مارش، وجون أولسن في العام 1972، عن الاختيار التنظيمي للقرارات في ظل الفوضى والغموض واللايقين:
Cohen, Michael D., et al. “A Garbage Can Model of Organizational Choice.” Administrative Science Quarterly, vol. 17, no. 1, 1972, pp. 1–25 ↩︎ - راجع الورقة الممتازة لـ”إيزيكيل جونزاليس أوكانتوس وفيرجينيا أوليفيروس”، التي تناقش أثر “التبادل الشخصي والتقديري للسلع أو الخدمات مقابل الدعم السياسي”، وشيوع الروابط غير المحوكمة مثل الزبائنية المرتبطة بإساءة استخدام الأموال العامة والخاصة لدعم الجهود الانتخابية.
Gonzalez-Ocantos, Ezequiel, and Virginia Oliveros. “Clientelism in Latin American Politics.” Oxford Research Encyclopedia of Politics. August 28, 2019. Oxford University Press. ↩︎ - راجع مثلاً ورقة سوزان ستوكس عن إطار تحليل “المحسوبية السياسية”:
Stokes, Susan C., ‘ Political Clientelism’, in Carles Boix, and Susan C. Stokes (eds), The Oxford Handbook of Comparative Politics (2009; online edn, Oxford Academic, 2 Sept. 2009). ↩︎ - راجع مثلا مشروع الديمقراطية الانتخابية (V-Dem):
Coppedge, Michael, John Gerring, Carl Henrik Knutsen, Staffan I. Lindberg, Jan Teorell, Kyle L. Marquardt, Juraj Medzihorsky, Daniel Pemstein, Linnea Fox, Lisa Gastaldi, Josefine Pernes, Oskar Rydén, Johannes von Römer, Eitan Tzelgov, Yi-ting Wang, and Steven Wilson. 2024. “V-Dem Methodology v14” Varieties of Democracy (V-Dem) Project. ↩︎ - بناءً على اتصالات أجراها الباحث مع مرجعيات سياسية ودينية آنذاك. ↩︎
- مقابلات ميدانية اجراها الباحث حينها مع عينات من الكتلة التصويتية السُّنية في بغداد ومحافظات اخرى. ↩︎
- كان المالكي يفاوض في حال تنازله عن التَّكليف الوزاري، الاحتفاظ بوزارة أمنية، هي «الداخلية»، وقوة عدادها نحو ألفي عنصر، ورشح حينها أنها «لواء الرَّد السريع» المعروف بـ«لواء بغداد»، مع ضمان عدم ملاحقته وعائلته وبعض مريديه قانونياً، أو فتح أي ملف فسادٍ من ملفات حكومتيه السَّابقتين. فضلاً عن تنازل الدَّولة عن المرافق العقارية والسكنية التي يسيطر عليها. رفضت القوى الشِّيعية، وابرزها التَّيار الصَّدري، وعدوه محاولة منه للتحول إلى «أمير حرب».انظر: ليلة الضرب بالخناجر في بغداد، صفاء خلف، جريدة الاخبار اللبنانية، 12 آب/ اغسطس 2014. ↩︎
- ورد النص في الرسالة التي نشر مقتطفات منها الموقع الرسمي للسيد علي السيستاني، ضمن مقال تبريري حول موقفه من المالكي، تحت عنوان «كيف ولماذا تنحى السيد نوري المالكي؟» في 14 آب/ أغسطس 2014، وحذف المقال فيما بعد من الموقع. وأعادت نشره مواقع أخرى. انظر: كيف ولماذا تنحى السيد نوري المالكي؟، موقع جنوبية، 19 آب/ أغسطس 2014. ↩︎
- نص جواب السيد السيستاني على رسالة وجهت اليه من أعضاء حزب الدعوة، موقع شفقنا، 13 آب/ أغسطس 2014. ↩︎
- نص ما ورد بشأن الأوضاع الراهنة في العراق في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (12/ رمضان /1435 هـ)، موقع مكتب سماحة المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني، 11 تموز/ يوليو 2014. ↩︎
- المالكي يُذعن للتسوية، صفاء خلف، جريدة الأخبار اللبنانية، 15 آب/ أغسطس 2014. ↩︎
- مساعد الخارجية يفند مزاعم مقتدى الصدر بشأن رفض طهران التجديد للمالكي لولاية ثالثة، وكالة تسنيم الايرانية، 3 كانون الأول/ ديسمبر 2013. ↩︎
- خامنئي يُكرّم المالكي: قاد العراق بشجاعة، جريدة الأخبار اللبنانية، 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. ↩︎
- تصريح منسوب لرئيس وفد “ائتلاف القوى الوطنية السُّنية” إلى مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية سلمان الجميلي. انظر: تعثر محادثات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، الجزيرة نت، 30 آب/ أغسطس 2014. ↩︎
- انتكاسة في جهود تشكيل الحكومة، صفاء خلف، جريدة الأخبار اللبنانية، 6 أيلول/ سبتمبر 2014. ↩︎
- يقصد بها “وثيقة الاتفاق السياسي بين الكتل السياسية المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية 2014”. راجع: نص وثيقة الاتفاق السياسي للقوى المشاركة في الحكومة، جريدة طريق الشعب، 09 أيلول/ سبتمبر 2014. مما يُلاحظ ان الامانة العامة لمجلس الوزراء قامت بحذف النص الأصلي للوثيقة من الموقع الرسمي، مما يعد اتلافاً متعمداً لوثيقة سياسية يجب أن تكون متاحة للفضاء العام، ويؤشر ايضاً على غياب منظومة ارشفة وطنية تهتم بحفظ وتصنيف الوثائق السياسية العامة. ↩︎
- نص برنامج حكومة حيدر العبادي، جريدة طريق الشعب، 09 أيلول/ سبتمبر 2014. ↩︎
- راجع ورقة حيدر سعيد التي ناقشت وعلَّقت على فقرات “وثيقة الاتفاق السياسي” و”البرنامج الحكومي”. حكومة العبادي: خيطُ الضوء الأخير في سماء ملبّدة بالغيوم، حيدر سعيد، مجلة سياسات عربية، مج 2، العدد 11، تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. ص 88-96. ↩︎
- مفاوضات تشكيل الحكومة تتعثر، جريدة الأخبار اللبنانية، 26 آب/ أغسطس 2014. ↩︎
- 13 مطلباً منها، جاءت من ورقة المطالب العامة لساحات الاحتجاج السُنية فيما سُمي آنذاك بـ”المحافظات الست المُنتفضة”، بينما المطلب المُضاف كان بشأن نسبة التمثيل السُني في البيروقراطية الحكومية والأمنية. انظر: مطالب متظاهري الأنبار التي وصلت للبرلمان، جريدة الوطن الكويتية، 06 كانون الثاني/ يناير 2013. ↩︎
- ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ)، موقع مكتب سماحة المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني، 13 حزيران/ يونيو 2014. ↩︎
- وفقاً لعضو لجنة التَّفاوض عن الاطراف السُّنية آنذاك محمد الكربولي، بأن التَّفاوض يجري حول اقرار “استحقاقات اهلنا ونسبة 40% من التَّمثيل في الدولة العراقية ومؤسساتها المدنية والأمنية كافة”. تعثر محادثات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، الجزيرة نت، 30 آب/ أغسطس 2014. ↩︎
- مقتبسة من تحقيق اعده الزميل الصحافي علي السراي عن تفاصيل ومناوشات وملابسات مطلبية “الحرس الوطني”، نشره في صحيفة الحياة. متوافر في نسخة طبق الأصل، «الحرس الوطني»: مقدمات إقليم سني في العراق… وأخطار على الحدود الكردية، علي السراي، موقع الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية، 08 آذار/ مارس 2008. ↩︎
- من مفردة “ميليشيات”. ↩︎
- وصل الأمر بكتائب حزب الله المدعومة من إيران إلى حدّ التحذير من أنها ستتعامل مع أي قوات شبه عسكرية سنّية باعتبارها مجالس صحوة تابعة للأميركيين. ↩︎
- السنة الأولى لحيدر العبادي في الحكم: ما الآفاق المحتملة للعراق؟، يزيد صايغ، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، أيلول/ سبتمبر 2015. ↩︎
- عادل عبد المهدي الذي كان آنذاك وزيراً للنفط ونائباً لرئيس الوزراء اقترح وضع الحشد الشعبي والميليشيات السنّية الموالية للحكومة والبيشمركة الكردية “تحت مظلّة الحرس الوطني”. ↩︎
- الانفصال: المشنقة الكردية للإفلات من التاريخ، صفاء خلف، موقع جدلية، 27 أيلول/ سبتمبر 2017. ↩︎
- What Caused the KRG Miscalculation on the Independence Referendum?, Akiko Yoshioka, Washington Institute for Near East Policy, 03 January 2018. ↩︎
- الأكراد للعبادي: بقاؤنا بالحكومة مرهون بتحقيق المطالب، الجزيرة نت، 12 أيلول/ سبتمبر 2014. ↩︎