شجرة الهشاشة العراقية: من “المهدي” إلى التضحية بـ”ماركس”


صفاء خلف

نشرت في موقع قنطرة في (22/04/2018)

يسعى مقتدى الصدر الى جعل تيّاره، عامل توازن شيعي في العراق، ازاء الطموحات الايرانية بدفع جماعاتها المسلحة الى الواجهة السياسية في الانتخابات النيابية المرتقبة عبر “تحالف الفتح”، وعلى رغم العداء الايديولوجي بين الصدريين والولايات المتحدة الاميركية، الاّ ان الاخيرة باتت تتقبل هذا العداء كجزء من الدينامية الاجتماعية والسياسية للتيار في العراق للحفاظ على ارثه “الثوري”، فيما الصدريون يتفهمون ان الدور الاميركي مفيد لحراكهم ومستقبلهم الذي يريد التملص من الكمّاشات الايرانية، شريطة الا يحقق الطرفان تقارباً مباشراً يفضي الى نسج علاقة صريحة بينهما. يملك الصدر خطوط تواصل غير مباشرة مع واشنطن، منها عبر دعمه لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وعلاقته التي تبدو جيدة مع المملكة العربية السعودية ودولة الامارات ودول اخرى في المنطقة. لذا الرسائل غير المباشرة المتبادلة تبدو اكثر نفعاً من العلاقة الواضحة.

نجح الصدر باحاطة نفسه بسلسلة علاقات نفعية جيدة مع الاقليم العربي، ووثق علاقته مع العبادي الذي بدا انه مرتاحاً لهكذا نوع من الشراكات السياسية التي لا تؤثر على طريقة ادارته للسلطة، رغم الصدر يملك ميليشيا قوية قادرة على نفض البيت السياسي في العراق وتقويض “اسطورة الاستقرار”، فيما زعيمها يتحرك في سائل سياسي متلون لا يخضع لمبدأ سوى البقاء كمهيمن اقطاعي يلبس العمامة على مساحة هائلة من الاتباع الذين يقدسون تلوّنه.

تبدو الشراكة بين الصدر – العبادي، مدعومة من المرجعية التقليدية في النجف التي يرأسها اية الله السيستاني، وكأن مكتب الاخير ينظم تلك العلاقة ويدفع بالطرفين الى احتلال مكانة متقدمة من التحالف الذي يضمن بقاء ايران بعيدة عن رئاسة الحكومة بوجود قوة سياسية وجماعة مسلحة مطيعة (سرايا السلام) تمثل ضداً نوعياً للميليشيات المدعومة من ايران، وتلك العلاقة ايضاً تضمن تحجيم التمدد الاميركي في العراق.

ولم يطلق الصدر مواقف حادة تجاه رغبة الكُرد بالانفصال عن العراق، فيما عزز صلته النفعية عميقاً بما بات يُعرف بـ”التيار المدني” والحزب الشيوعي العراقي، بتحالف انتخابي، انهى به الفيتو الديني على التعامل مع “العلمانيين”، ففي انتخابات سابقة افتى اية الله كاظم الحائري احد المراجع المسموعين لدى التيار بـ”حُرمة انتخاب العلماني”، وهذه الفتوى تستند على ارث الفتاوى المُشيّطنة للشيوعيين. المرجع الاكبر للصدريين (والد مقتدى) محمد محمد صادق الصدر، اعتبر الشيوعيين “انجاساً” في كتابه “مسائل وردود” – في مسألته المرقمة (102) الجزء الثالث ص 28 –:

[- هل من يدعي الشيوعية نجساً؟/ ج: مع الاعتقاد الذي يستلزم انكار اصول الدين، او ضروريات الدين، يعتبر نجساً].

في اواخر الخمسينيات كفّر زعيم الشيعة حينها اية الله محسن الحكيم، الحزب الشيوعي في غمرة تقاربه مع عبد الناصر والاخوان المسلمين بظل موجة العداء مع حكومة عبد الكريم قاسم التي كانت تأخذ نهجاً علمانياً في ادارة السلطة.

عقب العالم 2014 ركب الصدر موجة الاحتجاجات “المدنية” لمكافحة الفساد، لكنه – الصدر – ما زال يحتفظ بميليشيا مسلحة منذ 2003، يرفض حلّها، وفي الاوقات التي بدت الضغوطات فيها رهيبة، يعمد الى خيار “التجميد” او تغيير اسم المجموعة المسلحة، والاعلان عن الخصائص الجديدة لها، ويرسم زبائنية مبتكرة للسلاح الذي يحافظ عليه في كل مرة.

اعلن مقتدى الصدر عن تشكيل ميليشيا “جيش الامام المهدي” في مسجد الكوفة بالنجف، كخطوةٍ رمّزيةٍ تمتد الى الروايات التاريخية الغامضة عن نهاية العالم بظهور الامام الثاني عشر لدى الشيعة واتخاذه للمسجد نفسه كواحدٍ من مراكزه التبشيرية.

بمنتصف تموز 2003 اطلق الصدر ميليشياه ردّاً على تشكيل سلطة الاحتلال المؤقتة “لمجلس الحكم العراقي”، وبموازاة ذلك ابتدع لنفسه خطاً راديكالياً بطموحه الى “تأسيس دولة اسلامية تسعى لتطبيق الحكم الشرعي (…) عبر جيش اسلامي مطيع لمراجعه وقواده”، هذه النظرة الخلاصية ادت الى تفريخ الكيانات المُسلحة في المقسم الشيعي قبالة التفريخ الحاصل على المقسم السُني، وربما ان اغلب الجماعات الشيعية المُسلحة خرجت من بطن التشكيل الاول للصدر، وتنامت فيها بعد وصولاً الى تشكيل “الحشد الشعبي”.

وعِبّر الميليشيا خاض الصدر معارك مُدمرَةٍ ضد السلطات العراقية. مرتان بدافع مقاومة الاميركيين وثالثة ضد الحكومة مباشرة في البصرة، عوضاً عن خروقاتٍ كثيرةٍ بين آونة وأخرى، كأن آخرها قتل قائد (لواء 57 قوات خاصة) العميد شريف إسماعيل المرشدي، وهو ايضاَ رئيس جهاز حماية رئيس الحكومة حيدر العبادي، في سامراء، حين كان في طريقه الى الموصل لتأمين زيارة العبادي اليها. 

يخشى الصدر من استقواء خصومه المدعومين من ايران عليه – ابرزهم المنشقون عنه قيس الخزعلي واكرم الكعبي- كما يخشى ان تتحول الدولة الى عنصرٍ معادٍ له اذا ما استطاعت القوى التي تدين بالولاء الديني للمرشد الايراني بالوصول الى السلطة، لذا هو يحافظ على تلك القوة بوصفها جزءاً من نظام الردع الذي يُطوره سياسياً. ولَعلَّ طهران تَنَبّهت الى نظام الرّدع الذي يبنيه الصدر بمعاونة الشيوعيين، حينَ اعلن علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي ان بلاده لن “تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين الى الحكم”.

دعم الصدر، وهو شابٌ ينحدرُ من عائلة دينية تقليدية تطالب بتطبيق “الشريعة”، الحراك الاحتجاجي في العراق، وبات يُطلق على نفسه “راعي الاصلاح”، لكنه بموازاة ذلك يحتفظ بوزراء ومسؤولين كبار في الحكومة العراقية التي يتفشى فيها الفساد، وشَنّ هجوماً لاذعاً ضد مفوضية الانتخابات مطالباً بتغييرها، وهدأت حدة انتقاداته تجاهها بعد ان صار له معقدٌ يضمن عبره من تثبيت حصّته من المقاعد في البرلمان المقبل.

اشكالية محاربة الفساد في العراق تتحرك ضمن الزبائنية السياسية وموجهاتها الدعائية الشعبوية، تفتقر الى ارادة المحاسبة الحقيقية فيما تظل ادواتها بعيدة عن ملاحقة الفاسدين وتقديمهم الى العدالة، وتشتغل في اطار الترضية والتصفية بين الخصوم السياسيين، فحتى الاستجوابات التي تُطرح في مجلس النواب وتُطيح بوزراء او مسؤولين فاسدين كبار، تتحرك داخل اطار تحقيق التوازنات، والكيفية التي تحافظ بها تلك الجماعات السياسية النفعية على مصالحها الاستراتيجية.

لم يستطع الصدر تقديم اياً من سياسييه الفاسدين الى القضاء، بل تحرك بعيداً عن سلطة الدولة التي يدعي انه متكفل بحمايتها والخضوع لها، واسس لنفسه مكتباً للمحاسبة والتطهير. وعَمَدَ على غيّرِ مرَّةٍ الى احتجاز اتباعه عُرّفياً كعقوبة لهم على عصيانهم كحادثة احتجاز نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الاعرجي لثلاثة اشهر وتجريده من تمثيله سياسياً لتياره. هذه الممارسة تكشف عن طبيعة الهيمنة التي يفكر بها الصدر والتي يريد ان يدير بها السلطة في المستقبل، كما ان مبدأ الحفاظ على الدولة وصلاحياتها الحصرية هو مجرد غطاء للقيام باعمال غير مشروعة تحت عنوان محاربة الفساد، يقوم الصدر بخرقها دائماً، ومثالاً “ازمة مطار النجف”، وتوجيهه وفد الى وزارة الكهرباء للاطلاع على “العقود”. وعملياً يقبض الصدر على ادارة مديريات وزارة الكهرباء في الجنوب والفرات الاوسط.

فيما يغذي جزيرته السياسية ويُنميها عبر حلقات من المنتفعين وخطوط الولاء الشعبي، واخيراً بالتحالف مع الشيوعيين، الذي مارسوا افضع انتهازية سياسية بتاريخهم بالتحالف مع الرجعية الدينية المسلحة والمسؤولة عن انتهاكات وتفريخ الميليشيات.

تحالف اقدم واعرق حزب عراقي علماني ايديولوجي (الحزب الشيوعي العراقي) تمتد خبرته السياسية على مدى 84 عاماً، مع تيار ديني رجعي شعبوي مسلح، يفتقر الى الخبرة السياسية والايمان بالسلمية في اطار الصراع السياسي، لم يمض على تشكيله سوى 15 عاماً، وشكل حزبه “الاستقامة” سوى اشهر قليلة، نكسة هائلة للماركسية واليسار العراقي، ونهاية مؤسفة ومؤلمة لانفلاش الايمان بتحرير الفرد من الاستغلال وتلميع الرجعية بوصفها جزءاً هاماً من منظومة الفساد والتدمير الاجتماعي وعرقلة التنمية وتحطيم بناء الدولة. وبهذا التحالف فقد الحزب الشيوعي شرعيته اليسارية والماركسية وبات حزباً طفيلياً يسعى الى مكاسب رخيصة على حساب فكرة وجوده الاساسية. انها طفيلية تلازم اختطاف  الحزب دائماً من قبل القيادات التي تطفر الى الواجهة وتمارس اغتصابها الانتهازي فيما تظل القاعدة مؤمنة بالماركسية لكنها مقموعة بجهاز القيادة.

جرّب الحزب المختطف من قبل القيادات الانتهازية، تحالفات مريبة وسطحية وساذجة لا تنم عن وعي بقدر ما تؤشر على هشاشة، فالحزب تحالف مع العسكر في 1958، وارتكب فضائع في قمع حركة الشواف في كركوك والموصل، ليقمع بعدها من قبل حليفه العسكري اليميني، وموقفه غير المسؤول من حركة الكفاح المسلح في هور الغموكة اواخر الستينيات،

ومن ثم يعاود التحالف مع اليمينية القومية المتطرفة في السبعينيات بتحالفه مع حزب البعث في اطار “الجبهة الوطنية”، وحين غزت الولايات المتحدة العراق واحتلّته كان موقف الحزب مخزياً، بقبول ذاك الاحتلال ودخول “مجلس الحكم” على اساس “شيعية” سكرتيره العام “حميد مجيد موسى” لا على اساس شيوعيته. ان مثل هذه الانحيازات اليمينية تكشف مدى فراغ الحزب من يساريته، ومدى تحكم البرجوازية بمصيره. ولم تسمح تلك القيادات للحزب بعملية مراجعة شاملة لاستعادته.

ويعلق القيادي المخضرم في الحزب الشيوعي وعضو اللجنة المركزية حسان عاكف، وهو اشد المعترضين على التحالف مع الصدر، وكشف بمقال مطول خفايا الدفع الى هذا التحالف المريب، اطلق دعابة: “كيف لحزب عمره 80 عاماً ان يتحالف مع حزب عمره شهرين؟”.

وللسخرية مرارتها ايضاً، حين ظهر سكرتير الحزب رائد فهمي اكثر مرة وهو يردتي بزات سوداء في زياراته الى الصدر في النجف، وفي الزيارة الاخيرة وقف فهمي مع اثنين من اعضاء مكتبه السياسي مع قيادات صدرية لقراءة الفاتحة على قبر الصدر الاب. ان مثل هذه الممارسات تمثل اساءة حقيقية لتاريخ نضالي لحزب يمثل العلمانية العراقية وسط بحر هائج من الاسلمة والتمييز الطائفي. حتى انه بذكرى تصفية محمد باقر الصدر في 9 نيسان 2018، وزّع بياناً يبين مدى تهشم الحزب الايديولوجي داخلياً واختطاف مواقفه من قبل منتفعين تربطهم مصالح مع السلطة واحزابها، وهي المرة الاولى التي يصدر بها كهذا بيان، وكأنه يحاول استرضاء مقتدى الصدر بتغيير جلد الحزب. حتى ان الحزب ومرشحوه لم يلقوا المكانة التي تحترم مكانة حزبهم في لائحة سائرون الانتخابية، فسكرتير الحزب مثلاً حلّ ثالثاً في ترتيب المرشحين لمحافظة بغداد. فالصدريون يجعلون من الشيوعيين مجرد دمى ملونة لتجميل محتوى بشع.

دائماً ما تجيء خطوات الصدر السياسية وكأنها قَفَزاتٌ كبيرة الى مناطق لعب جديدة خارج الكمّاشات التي يجد نفسه محاصرٌ بها، لكنه بالتحالف مع الشيوعيين يحاول ان يوظف التناقضات المحلية والاقليمية لصالحه، ويهز الشجرة غير المستقرة للتحالفات في العراق مترقباً تساقط الخصوم منها، ومنها يصل الى اقصى نفعية سياسية بالقفز من “المهدي” الى “ماركس” على طريقته بايجاد المقاربات الهشّة.

فهو يُصدر خطابه كمعادٍ للسياسة الايرانية بالمنطقة، ويعارض بقاء الاسد بالسلطة، ويقترب كثيراً من الرياض وابو ظبي، ويعزز سياسة رئيس الحكومة بالانفتاح العربي، وتحوّل الى هراوة سياسية مطيعة بيّد المرجعية التقليدية في النجف، ويدعم توجهات حلّ الفصائل المسلحة لكنه لا يحل جماعته المسلحة على نحو مطلق ويحتفظ لنفسه بحماية واحدة من اهم مراكز الشيعة في سامراء المرتبطة بـ”قضية المهدي”، فهو دائماً يُبقي خيطاً رفيعاً ممدوداً بينه بين قناعاته الخلاصية بوصّفها المنطقة المقدسة التي يُهيّمن بها على ملايين من الفقراء التواقين الى العدالة المفقودة وطموحاته السياسية. لكن ذاك الخيط ايضاً مصدر قلق رهيب بوصفه مُحفزاً للتنظيمات السرية التي تدعي الصلة بـ”المهدي”.

وبات واضحا ان التحالف مع الشيوعيين مَثّل نكسة اجتماعية للجمهور الذي ينظر الى الحزب كمُنقذ علماني للخروج من ورطة حكم الإسلام السياسي، لكن مع هذا التحالف الذي يبدو مُريباً لتنافر العقيدة، ابتلع الاسلاميون آخر حجرٍ في حائط الطبقة الوسطى المتهالك وهو يحاول الصمود أمام تردي الخدمات واستشراء الفساد والمحاصصة الطائفية.

ونظراً للمواقف الانقلابية للصدر على حلفائه، ونزّعته غير المستقرة بالبقاء في جبهة واحدة، فان المخاوف تتراكم ازاء انقلابه على الشيوعيين، لاسيما وانه يحتفظ لنفسه بموضع ديني ايضاَ، ويحرص على تراث عائلته المتشددة، فوالده اية الله الراحل محمد محمد صادق الصدر، يُصنّف كأبٍ روحيٍ لـ”الصحوة الفقهية الشيعية” في التسعينيات التي اندفعت قُبالة “الصحوة الايمانية السُنية” التي قادها صدام حسين لتحصين سلطته من الانهيار.

فالصدر وأبيه حريصان على الشريعة. وخلال الاعوام الخمس الاولى بعد سقوط بغداد انشأ الصدر محاكم دينية لمحاسبة غير الملتزمين، وتورطت ميليشياه بمقتل مئات النساء والرجال ولا سيما في البصرة.

والآن، تطفو التساؤلات عن الكيفية التي سيتعامل بها الصدر مع اسلمة القوانين في العراق بظل حِلّفه مع الشيوعيين، ولاسيما قانون الاحوال الشخصية او منع الخمور او مراكز السهر والحريات الخاصة. كيف يُمّكن السيطرة على العقيدة العميقة للصدر ازاء الايديولوجيا الشيوعية المُناقضة له والتي يَصِفُها الحزب في أدبياته بـ”الرجّعية” خلال سنوات الصراع على علّمنة القوانين والتشريعات والمجتمع بعد انقلاب 1958.

لا تبدو خطوات الصدر المقبلة واضحة، فالصراع الانتخابي يُغيّر باستمرار الوجّهات المُستقبلية، وحتى اللحظة يبدو ان الزعيم الشاب هو الوحيد الذي حافظ على تماسك لائحته الانتخابية (سائرون) من التفكك، لكن تبقى حظوظه الانتخابية تُراوح عند مديات الطاعة العمياء لجمهوره الذي يرزح غالبيته تحت مستوى خط الفقر وسط فقر حظوظ الشيوعيين في خدمته انتخابياً، لكن بالتأكيد ان الصدر سيغدو قبّان التوازن الذي يسعى اليه الطامحون الى منصب رئاسة الوزراء.

يدّفعُ الاميركيون برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بقوة الى تولي ولاية ثانية، لكن مخاطر ضياع الجهد الاميركي تبدو جدّية مع خصوم شرسين تدعمهم ايران احتشدوا بلائحة واحدة (الفتح)، واضعين بالاعتبار اعادة تموضع منصب رئاسة الحكومة بمقاسات جديدة، ومنها إخراج حزب الدعوة الحاكم من التوافق العُرّفي على تسنّمه لادارة السُلطة منذ العام 2005. هذه المرة تُخلي القوى الشيعية مواضعها السابقة الى جديدة، على اساس التنافس على السلطة لا على توزيعها، ويذهبون بعيداً الى تشكيل “سلطة الاغلبية السياسية”، بمعنى ان الشركاء السُنّة والكُرد سيمثلون على اساس نسبهم، لا على اساس مبدأ التوافق السياسي بتوزيع السلطة.

لكن القناعة المؤكدة لدى الصدر انه لن يستطيع القفز الى السلطة، ولا يملك شخصية بارزة لترشحيها الى رئاسة الكابينة الحكومية، غير ان المُشكلة العويصة التي تهدد كيانه بالكامل، فكرة المهدوية ذاتها، فالشاب الذي بدا متحمساً في صيف 2003 لظهور “المهدي” وهو يطل على انصار والده الراحل بلحّيةٍ كثّةٍ وكفن أبيض، بات اليوم متخوّفاً من الفكرة نفسها، مع تنامي الجماعات السرّانية المؤمنة بـ”مقتدى” بوصفه هو “المهدي الغائب المنتظر” كجماعة “اصحاب القضّية”.

ورغم ان الصدر يَشِنُّ حملات تطهيرية داخل تياره بحثاً عنهم، الا انه فشل بالوصول الى الرأس التي تغذي الجماعة الغامضة، وسط انشطار هذه الجماعة الى جماعاتٍ اصغر كُلما يُعثر على تفسير جديد لـ”مهدوية مقتدى الصدر”. ويشعر الصدر ان هذا الحراك قد يقف وراءه خصومٌ لتحطيم سمعته كمعارضٍ يلبس العمامة ويحيط به الفقراء. لكنه يملك ايضاً اسطولا من مركبات حديثة وطائرة خاصة.

أضف تعليق