”قريباً من السَّطح وعميقاً في الهواء”.. سيرة نثرية جديدة لصفاء خلف

غلاف المجموعة

على سبيل السيرة الذاتية – الجمعية والتجوال بين المدن والتنقل عبر أزمان مختلفة، أصدر الشاعر العراقي صفاء خلف، مجموعته الشعرية – النثرية الجديدة: “قريباً من السَّطح وعميقاً في الهواء”، عن دار شهريار للتوزيع والنشر، مع مقتبل العام ٢٠٢٢، وهي المجموعة الثانية له عقب المجموعة الأولى “زنجي أشقر” التي صدرت ببغداد ٢٠١١.

وتضمنت المجموعة عدداً من التخطيطات غير منشورة للتشكيلي العراقي صدام الجميلي، نُفذت قبل نحو 10 اعوام، تنشر مع الكتاب كشهادة بَصَرية مضافة الى السيرة النثرية.

المجموعة تسرد نثراً، احداثاً واقاصيص وحكايات وتأملات ويوميات ومشاهدات بدءاً من بيت النازحين إبان الحرب العراقية – الايرانية، حيث ولد الشاعر في البصرة – جنوب العراق (1982)، ومآسي حرب الخليج الثانية (١٩٩١). والتجربة المُرّة ما بعد ٢٠٠٣، وما تلاها من الانتقالات، مروراً بالمُدن التي اقام بها ناشئاً ومطارداً ومرتحلاً كالبصرة، بغداد، الكوفة، بيروت، باريس وبرلين، كأنها حفرية تاريخية تستقصي تحولات المكان والزمن، وتعيد انتاج اليوميات بوصفها شهادة قيّمة على حياتنا المضطربة.

لؤي حمزة عباس

ويصف الروائي واستاذ الادب في جامعة البصرة، لؤي حمزة عباس، السيرة النثرية لصفاء خلف بأنها: “ايجاز مقتصد لوقائع حياتنا التي تقاسمتها مدنٌ لا تُشبه بعضها”، مضيفاً ان “القصيدة لدى خلف نشدان مستمر للحريّة وتطلّعاً لسماواتها الرفيعة (…) دون أن تتخلّى قصيدته عن حسِّها الماكر المغلّف بأسىً لا يخلو من تعاطف مع الناس والأشياء”.

ويمضي عباس في الحديث عن المجموعة، بأن “صفاء خلف الذي طالما شُغف بالعمق، يُصدر سيرته النثرية هذه، فهل غادر شغفه متلمّساً السطحَ، منغمساً في الفضاء؟، وهو يرى الهستيريا والجنادب والقطعان تُلاعب المصائرَ في بلاد الذاكرة”. معتبراً المجموعة: “نقطةُ ضوءٍ على ساحل الشعرية العراقية”.

وفي التجربة الجديدة لصفاء خلف، ثَمَة سرد شعري يستثمر تقنيات الكتابة الجديدة، ويستكشف مدى شفافية اللغة وتوظيف طاقاتها الحسيّة وجماليات وجماليات الصياغة الشعرية للتعبير عن الهموم اليومية والمآزق الاجتماعية والاغتراب وتحولات الناس والامكنة عبر ٣٢ نصاً اشتملت عليها المجموعة التي تصدرتها افتتاحية مشبعة بروح صوفية: (لِلأيام فَراسَتها؛ وللزَّمَنِ نارهُ التي تُنضِجُ البَشَرْ/ فَمَنْ يَفْتَح باب المَودَّةِ، المُحْكم بالظنونِ السَّيْئَةِ؟).

دُنى غالي

ويبرز المكان في السيرة النثرية بوصفه البعد الأكثر تأثيراً على الشاعر، ولاسيما مدينته البصرة التي تحولت من مكان بهيج لامع تحت شمسٍ فوارة الى “شَهْوَةٌ مُرِيبَةٌ، وَهيَ تَتَحَولُ إلى مَكَبٍ للمِلْحِ المَغزولِ بِالنِفْطِ المُتفَجِرِ كَعيونِ الأًفاعي المُظلِمةِ”، حيث ترى الشاعرة والروائية العراقية، دُنى غالي، المُقيمة في كوبنهاغن، في معرض حديثها عن المجموعة بأنه “انطلاقاً من طفولة البصرة التي تجذّر قحطها لاحقاً في سيرة خلف المُتخيل منها والمستيقظ الملحاح في الذاكرة، يخلق صيغة جديدة تزاحمنا وتحاور أفكارنا في كلّ المُدن”.

وبينما يقول خلف في المجموعة: “عِشْتُ مِثْلَ أَثَرٍ، أَنْمو وَالطَّبَقاتُ تَتَكاثرُ عَلَى رَأسي”، تجد غالي في تحليلها للتجربة الجديدة، بأنها “وقفة استثنائية للذهن بحجم التجربة المنقولة وثقلها أمام نصوص تتبلور أكثر غوراً وحِدّةً، فما هذا الصاعد قريباً من السطح إلا نِداء الشاعر، يتلقّفه الهواء لينفد عبر الإسمنت، ويقع على أسماعنا متوحدين كونيا معه (…) إنها وخزات مستمرة لها شكلٌ وإيقاع”.

صفاء خلف: شاعر وناقد، مواليد البصرة 1982، ناشر ورئيس تحرير مجلة نثر الفصلية (2010 – 2011)، عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، من مؤسسي نادي الشعر في البصرة في دورته التأسيسية (2007 – 2008). شعرياً له: (زنجي اشقر) – دمشق 2011. له عشرة كتب شعرية مشتركة مع شعراء آخرين احدها باللغة الدنماركية. نقدياً له: “أقنعة القصب – قراءات سيكولوجية في قصيدة النثر” بغداد 2012. كتب العديد من الدراسات النقدية عن التجارب الشعرية العراقية الجديدة. باحث وصحافي مستقل. حائز على جائزة (نسيج) لأفضل كاتب وصحافي عن قضايا التنوع الثقافي والتعددية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا والممنوحة من الوكالة الفرنسية للإعلام الدولي (CFI)، ومؤسسة سمير قصير، ومؤسسة أديان للحوار (2017). صدر له في العام 2019، الكتاب التحليلي الاستقصائي (العراق ما بعد “داعش” – أزمات الافراط بالتفاؤل) عن دار الكتب العلمية، بغداد – بيروت. وله (وشم النورس – كتاب استعادي عن الروائي والشاعر العراقي الراحل حميد العقابي) دار قناديل – بغداد 2019.

أضف تعليق