مقتدى الصَّدر وتيّاره ومرجعية أبيه.. سرّدية الإزاحة بـ”المهديّ”

صفاء خلف*


صحافي استقصائي وباحث عراقي مُستقل. حائز على جائزة وزارة الخارجية الفرنسية لدعم الاعلام في منطقة المتوسط (نسيج 2017)، جائزة Kurt Schork Memorial من رويترز للشجاعة الصحافية 2018، جائزة الاتحاد الأوروبي لحرية الصحافة – سمير قصير 2022. عمل باحثاً مع مدرسة لندن للاقتصاد (LSE) لدراسة الاحتجاجات في العراق 2020، وباحث مع مبادرة الإصلاح العربي فيما يخص تداعيات الآثار المناخية على العراق. صدر له “العراق ما بعد داعش – أزمات الإفراط بالتفاؤل” في 2019.


تحت جدارية لمقتدى الصدر وابيه، انصار صدريون عقب ادائهم صلاة الجمعة في مدينة الصدر، شرق العاصمة بغداد، في 17 حزيران/ يونيو 2022 (AFP).

ينشغل مقتدى الصَّدر في مشروعه بَيّنَ مأمولين مركزيين؛ السعي إلى عنوان ديني يؤهله لزعامة فقهية مُستقبلية، في ظل توقعاته بغياب رجال الحوزة الشيعية النجفية الكبار واحداً تلو آخر بفعل الموت الحَتّمي1، ما يُبشره بفراغ منطقة القيادة المقدسة، وبالتالي إنعاش مشروعه المُستجلب من رؤية والده “الحوزة الناطقة”، وبين حراكه اليومي كزعيم سياسي يطفو فوق المشهد الدنيوي المُعقد عبر الكتلة البشرية المفتّتة التي يصارع بها خصومه، سواء ضمن الحَيّز الصَّدري الخاص، أو الحَيّز العراقي العام. 

يَسعى “مقتدى”، لدى جمهوره، إلى دولة مُتخيلة مُنصفة تنأى بنفسها عن العائلات الدينية المالكة، وتتجه الى قيادة مؤثرة تعيد هيكلة الجسم الفقهائي/ العلمائي/ الاجتماعي المُتشعب والموزّع بين النجف وكربلاء والكاظمية وقُم، لصالح أعلمية شعبية/ شعبوية تستمد شرعيتها من ثلاث مؤثرات أساسية لقيام الحاكمية الصَّدرية: الخط الإلهي، السيادة الحوزوية التاريخية، الكتلة البشرية التابعة

قُبالة الحاكمية الصَّدرية المُفترضة، ترتفع الحاكمية العامة الممثلة بالخط التقليدي الحوزوي لزعامة النجفيين الأربعة2، حيث يقع علي السيستاني، مرجعاً اعلى، ووريثاً شرعياً يتضاد مع أطروحة الصَّدر الأب. بمقابل؛ حاكمية “الوليّ الفقيه” المُطلقة لدى كرسي المُرشد الإيراني علي خامنئي كـ”ولي لأمر المسلمين”، والتي تصدّرت كوسيلة حازمة لتكسير التمرد السياسي/ الإصلاحي لمقتدى الصَّدر حين حاول تحييد أدوات المُرشد وقواه التقليدية، أو المُنشقة عن حركة الصَّدر، من أحزاب وجماعات عقب أزمة الانتخابات العراقية المُبكرة التي عُقدت في تشرين الأول/ نوفمبر 2021. الصَّدر كان يأمل التفرّد بالساحة الشيعية العراقية سياسياً كـ”مُصلح”، وممثلاً شيعياً أوحداً يفتح لنفسه منطقة القيادة المقدسة على طريق احتواء الجسم الحوزوي، واضعاف الزعامات المتبقية للظفر بالعنوان الديني كـ”آية الله” أعظم واعلم، متخلصاً من فخاخ وشراك الاستاذية الحوزوية المانعة لحيازته على اللقب، ليعيد إجراءات والده الاقصائية لمنافسيه العُتاة في التسعينيات الماضية لبسط اعلميته على النجف والعالم الشيعي، ومتحدياً سُلطة الولي الفقيه في إيران.

يواجه الصَّدر سؤالاً مركزياً دائماً عن مدى أهليته لتمثيل وقيادة المجموع الشيعي، متصلاً بقدرته على استحصال الدرجة الدينية المهيئة للقب الديني، حتّى باتت زعامة والده محمد الصَّدر، شاهقاً يتمنى الإبن “مقتدى” القفز منه، ليتحرر من قيود التشكيك والمساءلة التاريخية، ويزيحُ ارثاً ثقيلاً يسد مسعاه الى المستقبل، في بيئة تُخاصم الخط الصَّدري فقهياً واجتماعياً.

حاز الصَّدر مكانته من حاكمية أبيه، ومنها ما فتئ يبني خطوط دفاعه، ويعزز نفوذه السياسي والتنظيمي. ومن “الرؤية المهدوية” الخلاصية ايضاً يستمد “شرعية” اجنحة تياره المُسلحة، ومواقفه الدينية المُتزمتة. 

التبشيرية المهدوية التي أعلنها محمد محمد صادق الصَّدر كأساس لحركته الفقهية وأعلميته، ألهمت طيفاً مُتعطشاً من فقراء وصغار مُعممي وشغيلة المذهب الشيعي إبان التسعينيات الفائتة، معتبرين إياه “السفير الخامس”3، وكأنه فتح باباً منسياً في المعتقدات الاثني عشرية4 ليدلف منها إلى عالم المنافسة مع كبار المُفتين المُعتصمين بالخط التقليدي المتأسس على رؤية موسى الكاظم5، لبناء الخط السياسي وهياكل التمويل العُرفية “الخُمس”، التي نَظَّرَ لها المُجدد أبو القاسم الخوئي على نحو مبتكَر، وأحاطها بالفرضية القياسية اللازمة لترتفع من مستوى المساهمة الروحية الطوعية الى مصاف الفرض الديني الواجب أداؤه من طرف المُكلّف الشيعي6. بالتالي؛ فإن حيّز الحركة التي ابتدعها الصَّدر الأب لنفسه، هو العودة الى ضفاف المهدوية المنسية، واحالتها الى منطقة تعبئة واستقطاب، وإحياء ما يتصل بالفكرة المُتخيلة، من سرديات وشعائر وممارسات، كـ”صلاة الجُمعة”، استنكاراً لتنازل الخط التقليدي عنها بحجة مسؤولية “الإمام الغائب”، وتحقيقاً لإهدافٍ ثلاث: 

  • إضعاف ما يُسميه الصدَّر بـ”الحوزة الصامتة”.
  • بيان ازدهار الشعبية الفقهية لـ”حوزته الناطقة” عبر الجُمعة المُقامة في مسجد الكوفة.
  • مقاومة نظام البعث – صدّام المُتحول الى الاصولية الاسلامية لاستقطاب المجتمع المهزوم/ المُحاصر عبر “الحملة الإيمانية”. 

يُنْظر الى محمد محمد صادق الصَّدر كأبٍ روحيٍ لـ”الصحوة الفقهية الشيعية” التي اندفعت قُبالة “الصحوة الايمانية السُنية” في التسعينيات. انتقالة جذرية مُؤسِسَة لكسر احتكار “المعارضة الاسلامية” المُقيمة في الخارج، وإحياءً لـ”معارضة الداخل” بوصفها “عراقية مُستقلة”، تدير شؤونها وخطابها بعيداً عن مؤثرات طهران وقُم، والوصاية العائلية لتيار محمد باقر الحكيم، أو أجنحة شتات “حزب الدعوة الاسلامية”، المتقافزة من مرجعية الى أخرى، لملء فراغ القيادة. 

في أجواء مُصابة بالخلاص المهدوي، وسط جوع شرس كَسَّرَ الدولة والمجتمع وبناهمُا المَدنية والمؤسسية، برز الصَّدر الأب كمصلح ديني يمهد لعودة الإمام الغائب، مُجترحاً سرّدية الغياب والعودة عبر “الموسوعة المهدوية”7، التي أسست لمرجل نار خرجت منه كل فواعل الغضب المطالبة باقامة “دولة الحق المهدوي” وفقاً للصيغة الصَّدرية؛ إذ راجت كطبقات تدّعي الصلة بـ”المهديّ”، كسفراء ونواب ومبعوثين ومُبشرين، وحتّى أبناء، وتأصلت كُمسلمات نهائية بعد مقتل الصَّدر، بوصفه الطريق الصاعد الى الاشتباك مع المرجعيات التقليدية، واستقطاب العموم الشيعي المُتطلع الى اصول نقية تُبشر بالعدالة الاجتماعية. 

حتّى فكرة “جيش المهديّ”، ليست من أفكار مقتدى الابن الأصيلة، بل نتاج حراك مُرهق انفجر من القاع الشيعي المنغمس بالفقر، في محاولة لتمثيل ادعاءات الأب، وكواحدة من تمظهرات التبشير غير المنضبط، والمقاومة الانفعالية المتأثرة بمناخ “الموسوعة”، ظهرت “جيوش مهدوية”8 في المرحلة: “ما قبل مقتل الصَّدر الاب (شباط/ فبراير 1999)، وما بعد الاحتلال الأميركي للعراق (نيسان/ ابريل 2003)، قبالة صمت الخط التقليدي، وتشكيك خط الولاية الخامنئية المُطلقة بالنظرية الصَّدرية التي قادها بضراوة “علي الكوراني العاملي”. بالنتيجة، ظلّت الفكرة المتأرجحة بين التصديق والانكار في أوساط النُخب الحوزوية. فاعلة ومُستحثة بين العموم الشيعي العراقي الغاضب، كمتنفس من حالة الكَرْب الجمعية المتراكمة نتيجة حكم نظام البعث-صدّام والعقوبات الدولية المُجحفة.

من الوعاء المُتخيل لـ”مهدوية” الأب، خرج الصَّدر الابن ساعياً لاستثمار “المهديّ”. 

جذور أزمة “المهديّ”

في العشرية التسعينية العراقية المُظلمة، أجج ظهور الصَّدر الأب، الثورية الشيعية الخاملة منذ احداث شباط/ فبراير 1977، كأقرب حدث مَفصلي في تاريخ الشيعية السياسية المعاصر9. بَيْنما ظهور الصَّدر الابن، بعد شهور قليلة من احتلال العراق على منبر مسجد الكوفة، أعاد تصدير الثورية التسعينية، بمزاج مُسيس أكثر حدّة وشعبوية، وكأنها تطل مجدداً بإيحاءٍ “مهدوي”، مستهدفاً جمهوراً متلهفاً لملء فراغ قامة الأب وتعويضها برمزية الابن. صدريون أنتجتهم مواجهات المؤسس. بينما العموم الآخر، كان جيلاً جديداً متداخل الجذور، قادماً من المخيال الشعبي المُشاع عن “عبقرية الموسوعة المهدوية”، وكرامات الاب مع الغائب عبر العرّفان10؛ وآخرين من أحياء ومدن وقرى وارياف محرومة ومدمرة ومقموعة بمستوى تعليمي متدن، وحياة خاوية من معنى وخدمات، شهدوا سقوط الدولة المنيعة والاحتلال وانفلات أمني، تلقفوا دعوة مقتدى الابن كبشارة مُنتظرة، وإحدى علامات الظهور السرّانية المتطابقة مع “كثرة الرايات في العراق”، طبقاً لسرّدية موسوعة الأب المُستخلصة من المرويات الشيعية المهدوية كبحار الأنوار وغيبة الطوسي ومنقولات الكليني واحاديث النعماني11، وغيرها من الكُتب المؤسِسَة.  

وكتشريح اجتماعي – طبقي، جيل الصَّدر الابن هو “الجيل المحروم” أو “البروليتارية الشيعية”، وهو الأقرب الى السرّدية الصَّدرية العامة المؤمنة بالجماهيرية المُحركة للأحداث والممهدة للظهور أو التغيير، قبالة الطبقة الشيعية العمومية المُستقرة “البرجوازية الشيعية” المتحالفة على طول التاريخ مع الخط الفقهي التقليدي12. بالتالي، فإن خطاب الصَّدر الابن، شكل فارقاً في الفهم العام لمجريات المُتغير السياسي في العراق، إذ إن قوى التشيع المتأثرة بولاية الفقيه أو الخط النجفي التقليدي، انحازت الى سرّدية الاحتلال، بزعم تمثيل الشيعة في “مجلس الحكم”، فيما ظلت الشيعية الثورية الصَّدرية خارجاً في عراء شمس الحرمان من السُلطة.

لذا ابتدع الصَّدر الابن، سرّدية موازية قائمة على استحضار “المهديّ” لشرعنة تأسيس “الدولة المُضادة”، مثل أبيه الذي اقتنص الامام الغائب من سماوات المُتخيل الشيعي، لتأسيس مرجعيته المتصدية لـ”المُستحدثات” بـ”العِرفان”13

من باب العرفان الواسع، نَمَت فكرة “مهدوية” الصَّدر الأب عند مجموعة طامحة من صغار المُعممين، ممن تعصّبوا لأستاذية مرجعهم وزعامته الروحية، وباتوا يدعونه بـ”المَولى المُقدس”، واستشعروا صدقاً بالغاً في تفسيراته “المهدوية” وحديثه عن زمن الظهور، مع شيوع التوقعات المُقلقة عن إمكانية قتله بوصفه “محمداً ذي النفس الزّكية”14

شكّل بعضاً من تلاميذ الصَّدر المباشرين، وغيّرهم ممن انقلبوا على الفكرة لاحقاً؛ تياراً هائماً في المتخيّل ويوتوبيا الخلاص المشفوعة بانكسار الأمل في تغيير النظام السياسي ونهاية عقوبة الجوع الدولية، تحت مُسمى “المُنتظرون”، كعتبة اولى لنمو الايمان بقرّب “المهديّ” منهم، مُشكلين نواةً المعرفة بالباطن عبر بركة عرفان “المولى المُقدس”15. وسُرعان ما اشتدت حماستهم مع تصاعد مواجهات الصَّدر مع نظام البعث – صدام، فتحولوا الى “حركة جُند المولى”، كتنظيم داعم ومرّوج لأفكار المرجع بوصفه “مُخلّصاً” ويُمهد لعودة “صاحب الأمر”. 

سنوات الصَّدر القلائل كمرجع ناطق يمشي في الأسواق، مختلطاً بالعامة ومجيباً عن اسئلتهم، فقيهاً ومجتهداً مُجدداً يُقيم الجُمعة بلا خوف في الكوفة، ويخطب من على منبر مسجدها ضد “الطاغوت”، فيما يُمضي ساعات في تسجيل ندوات ومحاورات فيديوية وسط انشغالاته “المهدوية” والسياسية ودروسه اليومية، وادارة صراعه مع مراجع الخط التقليدي على الأوقاف و”الاخماس” والمدارس الدينية، ومنح اذونات الدراسة للطلبة الأجانب، والاعفاء من الخدمة العسكرية لبعضٍ من طلبته العراقيين. أشعلت تلك الصورة غير النمطية والكاسرة لحدود الفقيه الشيعي التقليدي، حماساً تاريخياً بأن الرجل الذي يلبس كفنه سائراً بين الناس، ما هو الا بابٌ من أبواب “المهديّ”، وتقتضي نُصرتُه التعجيلَ بـ”استدعاء الغائب”، عبر سلوكيات “مُحرّمة” ومكروهة دينياً عُرفوا فيها بـ”السلوكيين”، منطلقين من جذر مشابهٍ ابتدعته حركة “الحُجّتية” الإيرانية.

خاض الصَّدر معارك لسانية وفقهية دفاعاً عن تلامذته في مرحلة مُبكرة، وتبرءةً لنفسه منهم في مرحلة لاحقة، بعدما لاحت في أفق التراشق بين المرجعيات فكرة عزل الصَّدر لجهة غُلوّه في معاداة الخطوط الفقهية المجاورة، ذات القدرة على نسف مرجعيته كنتيجة لحراك طلبته “السلوكيين”، فقرّر الصَّدر، تحصيناً لدعوته، طردهم. 

الاستعانة بـ”المهديّ” كفكرة وأداة، ظلّت سرّدية تفرش هيمنتها على مساحة تفكير المجموع الصَّدري، حتى بعد رحيل مرجعهم.

تظل “السُلطة” رأس حاجات الجماعة السياسية الشيعية16. ما يُميّز التفكير الشيعي ويجعله أكثر تعقيداً وخضوعاً للقراءات المتباينة غالباً، مسألة اعتبار “السُلطة” ناتجاً عملياً لمفهوم “الإمامة المُطلقة” الذي يتجسد بخطَّين أساسيَين في المرحلة الأولى من تشكُّل العقل الشيعي تاريخياً وهما “الولاية” و”الخلافة” المُفضيان إلى “السُلطة”، على أساس شرعية “الاستحقاق الإلهي”، ما يُمكن اعتباره اقتراناً بين الدين والسلطة، وتمازجاً حيوياً إلى حدّ التماهي على قاعدة: الدين يحتاج “السُلطة” من أجل التطبيق، و”السُلطة” تحتاج الدين من أجل الشرعية أو “المشروعية”.

لذا، دارت نظرية مقتدى الصَّدر حول استثمار المقدّس، طيلة عقدَيْن، لتحقيق رغبته بالسُّلطتَيْن الدينية والسياسية معاً، متقافزاً بين إرث أبيه و”المهديّ”.

يختلف العقل الشيعي عما سواه من “العقول” الاسلامية المشتغلة في الحقل السياسي، بأنه يُنتج أشكالاً “ثابتة” و”متحولة” من “المُقدّس” ويحافظ عليها أو يقوم بتعديلها، تدويرها، -ومنْتَجَتِها- وفقاً للمرحلة. تتجلى النظرية الشيعية بإحاطة “السُلطة” بـ”المُقدس” عبر ثلاثة مستويات: “المقدّس العلوي/ الله” مصدر شرعية “المقدّس الدُنيوي/ السُفلي (الإمام)” المتجسّد أرضياً، الذي ينطلق منه فيما بعد، “مقدّس المرحلة/ المحلي” الذي يمثل قوة الوظيفة الاجتماعية والسياسية في النموذج الأكثر حداثة (الحاضر)، فيما تقع “السلطة” في قلب المثلّث، كناتج نهائي لمطلب الحراك. 

وظّف الصَّدر الابن، المستويات الثلاثة في تدعيم سُلطته الناشئة، منطلقاً من صلته القرابية المباشرة بـ”مُقدس المرحلة”، والده محمد محمد الصَّدر، مُستثمراً سطوة الأب على سرّدية العلاقة مع المهديّ “المُقدس الدنيوي/ السُفلي (الإمام)”، وما أُشيع عنه بأنه باب سرّي يفضي الى الغائب، وإن عرفانيته تخطت المعرفة البشرية، بالتالي فإنه “الأعلم” بالفقه والمعاملات التي تتطلبها النظرية الاسلامية وفقاً لـ”المُقدس العلوي/ الله”. 

“المهديّ” إرثاً عائلياً

في السنوات الأولى لتشكّل ملامح التيار الصَّدري، اندفع إلى الميدان المفتوح كـ”قوة مقاومة للاحتلال” تحت مُسمى “جيش المهديّ”، بمعنى إن الصَّدر تخيّل “سُلطته” عسكرياً قبل تخيّلها سياسياً، ساعياً الى تطبيق الشريعة عبر “المحاكم الشرعية”، فيما يظل مشهد قتل الصَّدريين لعبد المجيد الخوئي في فناء مَرقد الإمام علي في النجف، دلالة واضحة على ثأرية الانتصار لـ”مُقدس المرحلة”، بوصفها الاداة العائلية التي قد تُوصل مقتدى يوماً الى سُدة السلطة الدينية “الاجتهاد”.

تلاعب مقتدى الصَّدر، في العقدين الأخيرين، برمزَي الإمام والوالد، في مواجهاته السياسية. في مرحلة التمكين الأولى (تموز/ يوليو 2003 – آب/ أغسطس 2008)، تمركزت رؤاه وصراعاته على استثمار “الإمام الثاني عشر”، كفكرة لا تصمد أمامها اية سردية شيعية وسطية عقلانية عند المحرومين، وابتدع لها أدوات تعبيرية وميدانية تُديم استثماره الخطر في حقل قابل للتأويل: 

تولى الصَّدر الابن منبر أبيه في مسجد الكوفة التاريخي، المُشيّد منذ القرن الأول الهجري، دار خلافة وإقامة ومقتل الإمام علي؛ فيما تفترض بعض المرويات الشيعية بأنه سيكون دار خلافة المهديّ بعد ظهوره، وإن للصلاة فيه فضلاً أكبر من أي مسجدٍ آخر، لذا وظّفه الصَّدران، الأب وابنه، في إعادة إنتاج “الغائب”، رغم سعيهما لقبض “مسجد السَّهلة” المجاور، بوصفه المحل “الموثوق” للاتصال بـ”صاحب الزَّمان”؛ غير إن ثمة نزاع تاريخي بين مرجعية محمد سعيد الحكيم التي تدير “السَّهلة”، وبين الصدريين الذين يديرون “مسجد الكوفة”، فرَّق بيّن المسجدين، وثمّة عدم تراض فقهي، بلغ حدّ تشكيك الحكيم بمرجعية الصَّدر، واستشكاله على أعلميته واجتهاده. وفي مرحلة متقدمة، الطعن بصلة الاب الصَّدر بأبنه17.  

 حادثة اعتراض محمد سعيد الحكيم على وفد اهالي ناحية الكفل ببابل، المُعزين بمقتل محمد باقر الحكيم أواخر أغسطس/ آب 2003، باعتبار مقتدى الصدر مرجعية متصلة بأبيه، واصفاً إياه بـ” الطفل الجاهل والمخرّبَط الذي لا أصل ولا فصل له”.

بالمقابل، بانت مُجدداً ثأرية الصَّدر الابن لـ”مُقدّس المرحلة”، حين رفض التعزية بالمرجع محمد سعيد الحكيم (اوائل ايلول/ سبتمبر 2021)، وناشد التياريين، مُسلحين ومدنيين، من “سرايا السلام” و”البُنيان المرصوص” الى “تنظيف النجف”، و”العمل على ازالة الاوساخ والاتربة والانقاض لتكون المدينة أجمل”18، طيلة أيام الحداد الحوزوي والرسمي، في إشارة بليغة – ايضاً – لرفضه المرجعيات القائمة، وإنه يرنو الى تطهير السُدة المرجعية واعادة الاعتبار الى “الحوزة الناطقة”19.

تغريدة مقتدى الصدر غداة وفاة المرجع الشيعي محمد سعيد الحكيم

في ملمح آخرٍ على استثمار فكرة “المهديّ”، ابتكر الصَّدر الابن، رفعُ راية “قائم آل محمد” ما بعد 2003، وحتّى قبل تشكيله لـ”جيش المهديّ”20، بوصفهِ ومرجعية أبيه، أولياء الدعوة المهدوية، وصاحِبَيْ الامتياز في التعبير عنها، والدفاع عن رمزيتها.

مقتدى الصدر يُعلن عن تأسيس “جيش المهدي” بخطبة الجمعة (14) من مسجد الكوفة في 18 تموز/ يوليو 2003

وبسبب إسقاط مروحية اميركية لـ”الراية” من على برج اتصالات في مدينة الصَّدر في آب/ اغسطس 2003، أطلق الصَّدر دعوته الى “مقاومة” الأمريكيين، مُعلناً أن “المهديّ” انتقم لنفسه من واشنطن، عبر قطع التيار الكهربائي عن عدة ولايات اميركية21.

مقتدى الصدر: الامام المهدي قطع الكهرباء عن اميركا!
(جريدة السبيل العراقية ٢٠٠٣)

مُجدداً، وعقب سنوات من القطيعة مع الدعوة المهدوية، أحيا الصَّدر العلاقة. في 11 حزيران/ يونيو 2014، غداة احتلال “داعش” لمدينة الموصل، أعلن عن تشكيل ميليشيا “سرايا السلام” كقوة “دفاع” لحماية المراقد الشيعية، وأبرزها مشهد العسكريين في سامراء، ذو الرمزية المتصلة بولادة وغياب “المهديّ”، مُسمياً اللواء الاول من السرايا بـ”اللواء 313”22. فرغم تحولات الصدر وقفزاته، يواصل إمساكه بسامراء، كورقة نشطة يُشهرها بوجه منتقديه الدّاعين الى حل ميليشياته وجماعاته المُسلحة، مُستنفراً حادثة الاعتداء على المرقد نفسه في شباط/ فبراير 2006، وليحوز رضا المؤمنين بـ “الإمام الغائب” بأنه يحمي الارث الشيعي من الزوال. 

دائماً ما يُبقي الصَّدر خيطاً رفيعاً ممدوداً إلى قناعاته الخلاصية بوصّفها المنطقة المقدسة التي يُهيّمن بها على ملايين من الفقراء التواقين الى العدالة المفقودة والمشحونين بطموحاته السياسية. لكن ذاك الخيط مصدر قلق رهيب أيضاً، بوصفه مُحفزاً للجماعات التي تدّعي “مهدويته”.

المهديّ المُسلح

حفز الخطاب الغيبي المتأثرين بسردية “عصر الظهور” التي أطلقها الصَّدر الأب، واستثمارات الابن السياسية في إدارة صراعاته مع نخبة الحكم الجديدة، على ابتكار مستويات من الصلة بـ”المهديّ”، وباتت الحقل المُزدهر والمؤسس لـ”الجماعات المهدوية”23.

شُحنت المدن الجنوبية الشيعية العراقية في السنوات الخمس الأولى ما بعد 2003، بالدعاية المهدوية كمظلة استقطاب ديني-اجتماعي، وبات “جيش المهديّ” لاعباً أساسياً في تمكين مشروع الصَّدر الديني-السياسي، عبر محاولة ازاحة جماعة “منظمة بدر” و”الخط التقليدي النجفي” من ادارة مرقدي الحسين والعباس في كربلاء خلال أحداث “الزيارة الشعبانية” للاحتفال بولادة الإمام الغائب، ما بين 17-20 آب/ اغسطس 2007، والتي سبقتها اغتيالات ومواجهات مسلحة متبادلة بين الصَّدريين وبدر والمجلس الأعلى الاسلامي العراقي. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، شن “جيش المهديّ” حملة جديدة على البدريين والمجلسيين، مع دعاية غيبية أطلقها الداعية الشيعي المُتطرف الميّال لطروحات الشيرازيين، عبد الحميد المهاجر، على مبعدة أيام من المواجهات الدامية في كربلاء، والتي أسفرت، لأول مرة، عن تجميد الصَّدر لـ”جيش المهديّ” لمدة ستة أشهر24، والبدء بإعادة هيكلة وتأهيل الجناح المسلح ثقافياً وعقائدياً تحت عنوان “ممهدون”، ومشروع آخر لم يتم تفعيله “مناصرون”.

أسبغت مواجهات “جيش المهديّ” الشيعية-الشيعية، مناخاً مُظلماً على مدن الفرات الاوسط والجنوب الفقيرة، وأطلقت موجة جديدة من التأويلات حول صلة مقتدى الصَّدر بـ”المهديّ”، غذتها الدعاية الكثيفة لمجموعات تيّارية عن لقاءات بين الرجلين، الحاضر والغائب، على فرضية إن “المجموعات العقائدية المهدوية” تقوي نفوذ الصَّدر على أنصاره، وتضبط جمهوره الواسع في ظل غياب مظلة سياسية تُنظم الجموع الصَّدرية كحركة سياسية. 

أبقى الصَّدر تياره مترنحاً بين أن يكون تياراً سياسياً يسعى الى السُلطة، او حركة مسحوقين تدين بـ”الطاعة” لرجل دين، يواصل الاستثمار العائلي لاستعادة سلطة أبيه الحوزوية25.

تَلَتْ مرحلة المواجهات العسكرية الحاسمة للصَّدر مع منافسيه الشيعة والسُلطة الحكومية التي قادها “حزب الدعوة الاسلامية” في 2007، وحملة “صولة الفرسان” الحكومية-البريطانية، آذار/ مارس 2008 في البصرة، بداية تفكيك صلة الصَّدر بـ”المهديّ”، والعودة الى ضفاف العائلة، ومُقدس المرحلة محمد الصَّدر، بوصفه مُنقذ الابن من الانتقادات العنيفة التي وجهت إليه من طرف المرجعيات الدينية النجفية والقُمية، وتحذيراتها الصارمة، بحرمانه من دراسته الحوزوية، فطرده فقهياً، معترضةً على توظيف مُسميات الامام الغائب، لشرعنة تكوين جناح مُسلح، وميليشيات دينية، ارتكبت فظائع ضد المدنيين العراقيين، كأمر غير مسبوق في تاريخ الشيعية الفقهية والسياسية، ما يعيق حصوله على منزلة الاجتهاد فيما بعد، يُضاف لذلك تعاظم تقاطعه مع المرجعية النجفية، ومحاولاته “تكسير الخط الفقهي التقليدي”، وأنه لا يدين بـ”التبعية الفقهية” للنجف أو قُم. فظلال السرّديات المهدوية، غير مرحب بها في أوساط الفقهيين ممن يودون ادارة الحاضر [دولة ومجتمع] بعيداً عن نزعات التمرد ومطامح فقراء العامة الساعين الى الرجاء المستقبلي.  

تيقّن الصَّدر مخاطر القفز الى السلطة السياسية عبر “المهديّ” والسلاح، وفداحة خسارته في رحلته المستقبلية المُرهقة للظفر بالعنوان الديني، فانتقل، بعد اعتكاف طويل في قُم، إلى مرحلة “التأثير الناعم”، فحلّ “جيش المهديّ” على نحو غير معلن في آب/ اغسطس 2008 عبر “تجميده إلى أجل غير مسمى”، مع الابقاء على “نخبة” منه كـ”مقاومة” تحت مسمى “لواء اليوم الموعود” دون التخلي عن فكرة “القيادة المهدوية العالمية” في شعاره26

أدوار التخفي والغيبة

لعب مقتدى الصَّدر حيلة التخفي الجسدي و”الاعتكاف السياسي” مع انصاره ومنافسيه، مرات عدّة، حتّى باتت انسحاباته متلازمة ممنهجة تسبق التحول والقفز الى مسارات سياسية جديدة، أو التخلي عن آليات الصراع القديمة وابتكار متبنيات جديدة تبعاً لاستجابة المنافسة. 

أشعلت “غيباته” مخيال افرادٍ ممكن يُحيكون سرديتهم عن “الحلول المهدوي” في الصَّدر (او العكس)، طبقاً لتصور مجموعة مُغالية من قُدامى مقاتلي “جيش المهدي” ممن شاركوا في معركتي النجف الاولى والثانية (2004)، الذين افترضوا مقتل الصَّدر، وأن “المهديّ” تجسّد في مقتدى، وأن حمايته تعد قضيتهم المركزية، لذا يُعتقد أنهم حازوا تسميتهم بـ”اصحاب القضية” من ذلك “الغياب” و”الحلول”27.  

كانت أطول اعتكافات الصَّدر، ما يمكن تسميتها بـ”مرحلة التطويب الديني” لقبول حيازته على المرتبة الحوزوية الدُنيا “حُجة الإسلام” من قُم، ما بين شباط/ فبراير 2007 وكانون الثاني/ يناير 2011، والتي اعقبت مغالاته بتمثيل قضية “المهديّ”، كعتبة لتحوله التدريجي عنها والعودة الى ضفاف العقلانية الحوزوية، لدمجه في المؤسسة الدينية، مع استمرار دوره السياسي ضمن اشتراطات “البيت الشيعي” بإشراف طهران، التي ساومته بحيازة عتبة جديدة في التدرج الحوزوي مقابل ترشيق خطابه السياسي مؤقتاً.

فرَّ الصَّدر، في سني النفي السياسي والتطويب الديني الاربع المُضنية، عدّة مرات من قُم، ساعياً الى محمية حسن نصرالله جنوب بيروت، ومنها الى سوريا حيث التقى رئيس نظام دمشق بشار الاسد قُبيل الثورة السورية، طالباً الخلاص من تضييق طهران عليه وكسر جفائها معه، مناوراً بعدها بالتقارب مع الدولة التركية ولقائه برجب طيب إردوغان، في رسالة شديدة الحذر للإيرانيين، بأن ثمة بديل اسلامي معتدل وناجح وصاعد في المنطقة، يمكن الوثوق به والتحالف معه، وإن كان سُنياً. 

بدت اجواء العراق مُلبدة، وثمة لا يقين يجوب افق العملية السياسية مع التحضيرات المُتسارعة لانسحاب الاميركيين حينها، لذا أيقن الايرانيون، خطورة مواصلة الضغط على الصَّدر، فَسُمح له بالعودة الى النجف، شريطة تهذيب خطابه، تنقية تياره، تقبل أضداده الشيعة سياسياً، والابقاء على حالة التوازن الطائفي دون مغامرات “مهدوية” جديدة، أو قفزات تتضارب مع خط طهران في المنطقة. 

أعاد الصَّدر تموضعه بعد خروجه من قُم، على نحو القى بتوقعات الجميع في حيرةٍ من التأويلات.  

من “المهديّ” الى “ماركس”

دائماً ما تجيء خطوات الصَّدر السياسية وكأنها قَفَزاتٌ كبيرة الى مناطق لعبٍ جديدة خارج الكمّاشات التي تحاصره. عمل الصَّدر اولاً على تفكيك دوائر القوة داخل التيار، وشرع بتنقية اقطاعيته السياسية والعسكرية، حتّى إنه، وفي أوج توافقاته مع حكومة نوري المالكي الثانية، وحكومة حيدر العبادي اللاحقة، لم يَسع، بشكل ضاغط، إلى إطلاق سراح آلاف من معتقلي “جيش المهديّ” الذين يصفهم بـ”المقاومين”، ونأى بنفسه عن التدخل في مصير عدد كبير منهم لخطورتهم على تحولاته السياسية، فضلاً عن امكانية استقطابهم من إيران أو من قيس الخزعلي، غريمه العصائبي التقليدي، وما يُشكله من جبهة ردع وانقسام في كتلة التياريين.

فجأة؛ تحول الصَّدر الإبن من “مهدوي” طامح لحكومة اسلامية، الى ليبرالي منفتح، يَجدُ في نفسه “مُصلحاً” وسطياً مؤمناً بـ”مواطنته العراقية” كهوية قافزة على الانحياز الطائفي والعرقي. 

في مرحلة الانفتاح، ونأياً عما خلّفته “داعش” من ضررٍ بـ”الاسلام السياسي”؛ استقطب المال الصَّدري المُتكاثر، ماكنة من مثقفين ومفكرين ومراكز ابحاث وصحف، لتسويق “الصَّدر الليبرالي”، وغسل سُمعته وتشدده، تمهيداً لتبنيه خطاب مدني-ديمقراطي. 

بدا مقتدى الصَّدر، في مرحلته الليبرالية28، وكأنه قادم من لحظة تاريخية مُتخيلة، مشوهة ومنزوعة السياق، لا تتفق وجذوره الدينية العائلية المتزمتة وقناعاته الأخروية، وسلوكياته اليومية القائمة على استعباد أنصاره ومؤيديه بالفوقية والازاحات العنيفة و”القصاقيص”. غالباً ما يتواصل مقتدى الصَّدر مع انصاره بـ”المراسلة” متشبهاً بالمهديّ، حيث يُطلق اوامره وعقوباته عبر قصاقيص ورقية صغيرة، تنشر بالنيابة عنه على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالباً ما تكون بخط يده.

برّر الصَّدر، تحوله الى المدنية السياسية بأن “التيار العلماني كان وليد التشدد الاسلامي”، وإنه “يسعى لفتح باب وسطي مع التيار المدني، يمكن معه البقاء على المبادئ الإسلامية الحقّة والإيمان بالمبادئ المدنية، لكي نكون قد جمعنا بين تيارين طال افتراقهما بلا سبب”، مع خشيته بأن “التيار المدني ان طال الانفتاح قد يكون صَّدرياً”.

وجّه مقتدى الصَّدر جهوده للتحالف مع الشيوعيين، متخلياً عن أبيه و”المهديّ”، صادماً تياره بقفزة هائلة لا يُعرف لها مهبط. وكأن فترة التطويب الديني في قُم، كانت سجناً إيرانياً أنتجت صَّدراً كارهاً لسياسات المُعممين، فيما يهز شجرة الهشاشة العراقية، مُترقباً تساقط الخصوم، ومنها يصل الى أقصى نفعية سياسية بالقفز من “المهديّ” الى “ماركس” على طريقته بإيجاد المقاربات الهشّة29.

عزّز الصَّدر صلته النفعية مرحلياً بـ”التيار المدني” والحزب الشيوعي العراقي، بتحالف انتخابي، أنهى “فيتو دينياً” على التعامل مع “العلمانيين”. ففي انتخابات سابقة افتى مرجع الصَّدريين، اية الله المُعتزل كاظم الحائري بـ”حُرمة انتخاب العلماني”، مستنداً على إرث من شيّطنة الشيوعيين. فالمرجع الأكبر للجماعة، الصَّدر الأب، اعتبر الشيوعيين “أنجاساً”30

يخشى الصَّدر استقواء خصومه المدعومين من إيران عليه -أبرزهم المنشقون عنه قيس الخزعلي وأكرم الكعبي-، مثلما يخشى أن تتحول الدولة الى عنصرٍ يُعاديه إذا ما استطاعت قوى خامنئي في العراق التفرّد بالسلطة. لذا ظلّ يتقافز من منطقة استقطاب الى اخرى، كجزءٍ من نظام الردع الذي يُطوره سياسياً. ولَعلَّ طهران تَنَبّهت حينها الى تكتيك الاستقطاب الشعبي، الذي يبنيه الصَّدر بمعاونة الشيوعيين (2013 – 2018)، حينَ سجّل علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن “تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين الى الحكم”31.

وفي مرحلة ما بعد انتفاضة تشرين (2019 – 2020)، غادر الصَّدر قفزته المدنية، مبتعداً ايضاً عن الدعوة المهدوية، عائداً الى ضفاف ابيه، ومُعوّلاً على إرث العائلة النجفية في مواجهة خصومه، وبناء سُلطته “الابوية”، و”حاكمية صَّدرية” تتطلع الى تشكيل الحكومة، واحتكار تمثيل الشيعة في هياكل نظام المحاصصة. ففي التجارب الانتخابية السابقة، كان الصَّدر يُبارك، ولا يتبنى، لوائح تياره كـ”الأحرار” و”سائرون”، بيّنما في انتخابات 2021 المُبكرة، سمى لائحته علناً بـ”الكُتلة الصَّدرية”، واضعاً عكاز والده شعاراً، كدلالة على عودته مجدداً لمُقدس المرحلة، الماكنة الفاخرة للقفز الى السُلطة المُطلقة، وحراكه الموازي لنيل صفة “الاجتهاد”، ومن ثم التصدي لـ”المرجعية”32.  

اخضع الصَّدر العملية السياسية في سنوات حُكم رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي (2014 – 2018) الى رؤاه الانتقامية بوصفه “مُصلحاً” و”ثائراً”، يُحاصر ويقتحم مبنى مجلس النواب، ويعتصم على أبواب المنطقة المحصنة وسط بغداد، مقيماً في خيمةٍ خضراء، دلالة هاشميته، ومسعاه “الاصلاحي”، الشبيه بمعسكر الامام الشيعي الشهيد الحُسيّن بن ابي طالب في معركة الطّف، قبالة السُلطة الحاكمة. 

الصَّدر يتحصن بالعَباءة الدينية حين تحين لحظة المُحاسبة السياسية. 

مقتدى الصدر يجلس داخل خيمة الاعتصام التي نصبها في «المنطقة الخضراء» ببغداد في 26 آذار/ مارس 2016 (رويترز)

خامنئي كـ”خصم مباشر”

تحققت للصَّدر مساحة مريحة، لفاعلية الاغتيال الاميركي لقاسم سُليماني وأبو مهدي المهندس، في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2021، ومنحته مجال مناورة للوصول الى السُلطة واقصاء الجماعات الشيعية المنافسة، وتَحَقَقَ له الفوز بالمقاعد النيابية الاكثر في تشرين/ نوفمبر من العام نفسه، رافضاً “وصفة العطّار” بتقاسم السُلطة، مُفضلاً عليها مشروع “الاغلبية السياسية”، كنسخة محاصصة اقصائية جديدة مع السُنة والاكراد البارزانيين. 

بالمقابل، تبنى الإيرانيون الصيغة الآفلة لـ “تهجين تقاسم السُلطة 2018” مع هامش غير مُرضٍ للإدارة الأمريكية في تشكيل حكومة العراق 2022، وبتعديلٍ يحمل مخاطرَ مستقبلية تتمثل بعقاب الصَّدريّين وإزاحتهم من الصفوف الأولى للتشكيلة الحكومية، على الرغم من اضطرارهم لإبقائهم في المواقع القوية داخل الهياكل التنفيذية كعامل تهدئة واحتواء. فحكومة الإطار التنسيقي هي “إزاحة مُقنَّعَة” مُستلهَمة من الإستراتيجية الأصلية لمقتدى الصَّدر التي استهدفت إزالة منافسيه الشيعة من السُلطة عبر “الإزاحة المُطلقة”33.

غياب سُليماني، وضع الصَّدر مباشرة في مواجهة خامنئي، ذي المزاج الحاد ايضاً، والذي بدلاً من احتواء الصَّدر، قرر إزاحته بأقسى أداة مُمكنة، حطمت مقتدى وجعلته في موضع الدفاع عن سُمعة وإرث العائلة، ومرجعية والده، بأن أعفى مرجع الصَّدريين، محمد كاظم الحائري، من مهمة التمثيل الفقهي للخط الصَّدري، وربطها مباشرة بمرجعيته. 

اغتيالٌ معنويٌ للأب والابن وللفقهية الصَّدرية في آن.

صورة نشرها مكتب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في 10 ايلول/ سبتمبر 2019 تظهر خامنئي متحدثاً لمقتدى الصدر خلال إحياء ذكرى عاشوراء في العاصمة الايرانية طهران (AFP).

تمثل الاستجابة الخامنائية النادرة في تاريخ الحوزة الشيعية، بفرض الاعتزال الفقهي على مرجع ديني حيّ، لتصفية حساب مع زعيم منظمة سياسية، مؤشراً على تعاظم مخاطر الصَّدر في العراق، وطموحاته الدينية الهادفة لترسيخ موقع النجف كمرجعية عربية شيعية34، تُنهي آمال قُم وطهران في مرحلة ما بعد السيستاني، كما تُجفف البئر الرَّحبة التي يُغذي منها الصَّدر مشروعية قيادته لتياره، وأحقيته بشغل موقع أبيه مستقبلاً، فضلاً عن إخضاعه فقهياً باتباع آراء مُجتهده بوصفه “مُقلِداً مُكلفاً” مُلزماً بتطبيق وصية والده بتقليد الحائري، وباعتزال الاخير، انتقلت حُجة التقليد الى خامنئي. 

حشر الايرانيون الصَّدر في مأزق، فالقواعد الحوزوية تشترط عدم “جواز تقليد الميّت ابتداءً” لمن وصلوا تواً لسن “التكليف الشرعي”، وفي تفسيرات أخرى، عدم جواز العودة الى تقليد مُجتهد راحل، على قاعدة “العُدول” التي تقتضي الانتقال الى مرجع حيّ بالضرورة35. ولانعدام من يتبنى الفقهية الصَّدرية غير الحائري الموصى به من الصَّدر الأب، فإن الابن وتياره، دخلوا في تيهٍ فقهي. غالبية المرجعيات لا تحبّذُ الصَّدريين الذين لا يتوافقون مع اشتراطات التقليديين.

مقتدى الصَّدر يريد حاكمية صدرية تعزل النجف عن حاكمية قُم وطهران. 

أفتى الحائري في خطاب اعتزاله، على الصّدر الابن الاعتزال السياسي، جارحاً إياه في صَّدريته التي اعتبرها “باطلة”، فمن “يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدَين الصَّدرين أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو -في الحقيقة- ليس صَّدرياً مهما ادّعى أو انتسب”. ردّ الصَّدر على مرجعه الحائري، بأن اعتزاله خارجٌ عن ارادته، وأن “النجف هي المقر الأكبر للمرجعية”، كما “يظن الكثيرون، بمن فيهم السيد الحائري، أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم.. كلّا إن ذلك بفضل ربي ومن فيوضات الوالد الذي لم يتخلَّ عن العراق وشعبه”. لكنه، أعلن اعتزاله سياسياً مع غياب “الإذن الشرعي”. 

تمارس الأحزاب والجماعات والميليشيات الشيعية نشاطها السياسي والمُسلح، والاقتصادي في نهب المال العام بوصفه “مجهول المالك” او اقتطاعاً من “حصة الإمام الغائب”، بموجب إذن شرعيّ من فقيه ومجتهد. 

عانى حزب الدعوة الاسلامية طيلة عقود بعد اعدام محمد باقر الصَّدر، من “ازمة فقيه” مُزمنة، وظلّت قياداته تتقافز من فقيه الى آخر، يمنح الحزب “الاذن الشرعي”، وغالباً ما كانت مشاريعهم السياسية تصطدم برؤى الفقيه المُضادة، فحدثت الانشقاقات الشهيرة في الجسم الحزبي. لذا يخشى الصّدر وتياره، الأمر ذاته، فمهمة الصَّدريين في البحث عن فقيه متوافق معهم تكاد تكون اشد عسراً من ازمة “الدعوة”.

ارتدَّ الصَّدر بعد انكشاف جبهته الفقهية باعتزال الحائري، الى العائلة. عاد الى انتاج مرجعية والده كمصد حماية من هجمات طهران، التي نجحت بتحييد الصَّدر سياسياً، واشغاله بالدفاع عن أهلية تمثيله لإرث أبيه وقيادة الصَّدريين.

تغريدة مطولة للصَّدر على حسابه الموثق (مقتدى السيد محمد الصَّدر) على تويتر، نشرت في 20 حزيران/ يونيو 2023.

تغريدة المُطولة بثماني صفحات والمُعنونة (دفع شبهات الحاقدين عن مرجع المؤمنين)، نشرها مقتدى الصدر على حسابه على تويتر، في 9 حزيران/ يونيو 2023.

أطلقت طهران فواعل الجماعات المهدوية، من بيت النار المُستعر تحت طبقات الفقر المتّسع في أرياف الفرات الاوسط والجنوب الفقيرة. دأبت الاجهزة الإيرانية على صناعة أضداد نوعية مؤثرة لمقتدى الصَّدر من داخل حقله السياسي والفقهي، لتكون مصّدات تُفرمل الصَّدريين ومزاجات زعيمهم المتقلبة، وتقضم من الحاضنة الشعبية، فتتآكل كجروف ظامئة ينحسر عنها خزّان المؤمنين بالدعوة الصَّدرية. 

يعتقد الصَّدر بأن أقرب الصَّدريين الى تياره، وهم العصائبيون، وبشكل غير مُعلن، يُغذّون أوهام “مهدوية الصَّدر” في قاعدته المتخمة بالفقراء والحالمين واليائسين والمقاتلين المتعطشين للبطش بـ”الحكومة الفاسدة” و”البرجوازية الشيعية” الحاكمة، ويُشيعون تبريراً لتقافزه وتقلباته على إنها “تصاريف إلهية، وأقدار مُتعلقة بالإمام الغائب وخياراته الصائبة، يستعصي على المؤمنين التابعين فهمها”، وإن “عليهم طاعة (الصَّدر-الامام) نصرة له، واحياءً لأمره”.

مراراً شَنَّ الصَّدر، حملات تطهير صامتة ومُعلنة داخل التيار ضد المُعتقدين بـ”مهدويته” تحت مظلة “كَنس الفساد”، مُستهدفاً تجفيف العلاقات والخطوط الفاعلة لـ”عصائب أهل الحق” والأجهزة الأمنية الإيرانية داخل تياره. 

كان هَمُ الصَّدر تطهير حاضنته من الاختراق. بينما ظلّت مكافحة الادّعاءات المهدوية، هدفاً ثانوياً قد يتحقق بمحو الاختراق. 

الصَّدر لا يخشى من إسباغ أنصار مؤتمنين صفة “المهدوية” عليه. الادعاءات تخدم مطالباته الدائمة بـ”الطاعة”، بيّنما خشيته تتعاظم من اغتياله وتياره وازاحته سياسياً وفقهياً بـ”المهديّ”، بالتالي زوال “حق الطاعة” وشرعية القيادة. ورغم حملات التفتيش، الا انه فشل بالوصول الى الرأس التي تغذي الجماعة الغامضة، وسط انشطارها الى جماعاتٍ اصغر كُلما يُعثر على تفسير جديد لـ”مهدوية مقتدى الصَّدر”.

في مسار التقليد الشيعي تاريخياً، لا يطلب المرجع من مقلديه الطاعة، فهي أداة متحققة بضرورة “التقليد” عبر اتّباع “المُكلف” لآراء ومواقف مجتهده، واستكمالاً لنيل “الشفاعة الأخروية” المُرتقبة من آل البيت، يُسهم في تدعيم “قوة المذهب” وتمويل المؤسسة الدينية عبر “الخُمس”. 

مع الحالة الصدّرية، يطلب الصَّدر من أطياف تياره “الطاعة والانقياد” كشرط سياسي لقيادته، بما أن مرتبته الحوزوية ما زالت دون المجتهد بأشواط، لكنّه يوظف حيلة فقهية، تأسيساً على نظرية “حق الطاعة” للصَّدر الأول، وهو تفسير جديد -حينها- في علم الأصول، ومنه تلقّاه تلميذه محمد محمد صادق الصَّدر، في حق “الولي على المولى بالطاعة والعقاب”، وهو ما يُحيل الى فكرة الجماعة المهدوية المولوية الاولى التي نشأت في أكناف الصَّدر الأب في النجف، انطلاقاً من وصفهم لمرجعهم بـ”المولى المُقدس”. فمنظار الصَّدرين الأول والثاني، تقضي بأن “المولوية وحق الطاعة ولزومها أمر ثابت بإدراك العقل، أن (المولى تجب طاعته) وأن المعرفة به هي لزوم إطاعة أحكامه (آراءه) بلا إشكال شرعي”.36

الصَّدر و”المهديّ” ليسا “شروگيَّيْن”

لمقتدى الصَّدر، هوسٌ مُقيم بـ”الطاعة”، رغم أنه لا يُطيع. 

تؤشر اجراءات الصَّدر لضبط جمهوره، على أنه خزّان غير منضبط، يتبع لمراكز قوى ونفوذ وعشائر ومسلحين، تنتفع من الصَّدر كقيادة قامعة، قلقة ومتقلبة، شكّاكة وعاطلة عن الإيمان بالتفكير الجمعي؛ بالتالي، فإن المخاوف العميقة للصَّدر تقوي من نفوذ القيادات والمنتفعين، وعزلته مع “خَواص” المكتب الخاص، تبقيه عائماً في تصوراته المُحبطة وطموحاته الشخصية الآخذة بالتحسس من أيّ حراك لا يضعه على رأس الاولويات.

الصَّدر، ورُغم تبنيه، على حدِّ زعمه، “مشروعاً اصلاحياً”، وقيادته لجموع “المُحبين” من الفقراء، ظل يمارس فوقيته النجفية على العموم الصَّدري “الشروگي”، مُعتدّاً بنَسَبه، لا يترك مناسبة أو قصّاصة دون أن يوقعها بما يبقيه في “المكانة العالية” عمّن سواه. فيما يظل عدم مخالطته عامّة الصَّدريين، واحدة من تكتيكاته الأثيرة في عقاب أتباعه المتشوّقين لرؤيته، وكأن حرمانهم من رؤياه “سخط إلهي”.

الصَّدر في “قصاقيصه” المكتوبة بخطّه، يَتَشبَّهُ برسائل “المهديّ” المخطوطة بيده الى سفرائه، رغم إن الدولة والمجتمع وفقاً لرأي والده لا تُدار بـ”المُراسلة”. 

ابتدع الصَّدر لنفسه وزيراً، كـ”المهديّ” الذي يتصل بشيعته عبر سفير. 

سمّى الصدر وزيره بـ”محمد صالح العراقي”، موظفاً اسم الامام الغائب وكُنيته، تأكيداً على حيازته الصلة والمكانة. وفي اجراءاته، لوقف تمدّد نار ازاحته بـ”المهديّ”، أغلق الصدر مرقد والده، وأنهى الاعتكاف الرمضاني في مسجد الكوفة، مُحرّماً اياهما على تياره، كعقاب لمن يدّعون مهدويته. 

يمارس الصَّدر الحرمان كأداة على السخط. 

يَشتغل خُصوم الصَّدر، كالعصائب وغيرهم من جماعات الولاء الايراني، على ربط أنفسهم بالجمهور الشيعي الجنوبي، بوصفهم “شروگيين”، وتشيع في دعايتهم لقيس الخزعلي أو “أبو حسين الحميداوي” أو “أبو فدگ” (عبد العزيز المحمداوي)37، أنهم “شروگ” منتفضين ضد من يتحاشى النزول الى مرتبتهم، كالتعالي الصَّدري النجفي، والفوقية البغدادية او القبائلية السُنية، فضلاً عن مشروع “فصائل المقاومة” باختراع وترسيخ هوية اجتماعية-مناطقية مُحلّاة بنزعة طائفية للجنوبيين على أنهم “عرق شروگي”38، وأنهم يقاسون حرماناً خدماتياً ومظلومية تاريخية وعداءً طائفياً بوصفهم “معدان وجهلة”، وهي فرضية مازالت تنشط وتشتغل في أوساط بعض الأكاديميين الحزبيين الشيعة ممن يُروجون لـ”الشيعية الشروگية الجنوبية”39، على إنها “عِرق” مرتبط بالأصول القديمة لسكان المنطقة. 

في مرحلة التمكين الثانية (2013 – 2022)، انشأ الصَّدر أجهزة ضبط لجمهوره، قائمة على أخذ “البَيّعة”، مستلهماً إياها من ممارسات جماعات الإسلام السُني كالإخوان المُسلمين و”القاعدة” و”داعش”، أو تعهّدات الولاء ببصمة الدّم، على شاكلة توقيعات نظام البعث-صدّام، وإلزام أنصاره “التقيُّد بالطاعة”، فضلاً عن لجان مكافحة الفساد، إعادة هيكلة المكتب الخاص وتفرّعاته، إلغاء اللجان الاقتصادية الصَّدرية، مع الاحتفاظ بلجان اقتصادية فردية خاصة مرتبطة به، تفكيك البرجوازية الصَّدرية الناشئة من مقرّبيه، وانتهاءً بالتنظيم الخاص “البُنيان المرصوص”، كتيار صَّدري موازٍ أكثر نقاءً من التيار الصَّدري العام المُتخم، وفقاً لنظرته، بـ”الجهلة والرعاع والمتعطشين للسلاح لخدمة مصالحهم”. 

لقاح الطاعة الرقمية

أزمة الجائحة التنفسية (Covid19)، منحت الصَّدر مجالاً آخر لقياس طاعة أنصاره وتنظيمه الخاص “البُنيان المرصوص”، كأفضل تمثلات لـ“المراقبة” و”الضبط الجماعاتي” المؤدية الى “الضبط السياسي”، مُستغلاً ظروف الجائحة وما توفره من مساحات تدخُّلية وفرض أنماط من القيادة والتوجيه والالتزام بالطاعة40.

فالصَّدر حاول توظيفها في تجريب قوة نفوذه داخل جماعته الواسعة، ومدى استجابتها الى توصياته. وبلغ به الاستغلال السياسي للوباء الى قياس الشعبية والولاء، عبر مشروع “جمع بيانات رقمية” ضمن ”البُنيان المرصوص“، يُفصح به الاتباع “طوعياً” عن معلوماتهم وبياناتهم الشخصية، دون معرفة الوجهة النهائية لها أو الاغراض التي ستستخدم فيها. واشترط الصَّدر على جميع مريديه التسجيل في المنصة الرقمية، حتى يُعتبَروا “صدريّين اقحاحاً يدعمون قائدهم المُصلح”، وبخلافه يتم طردهم من التيار وحرمانهم سياسياً وتنظيمياً وربما عقائدياً ايضاً. وضمن المشروع نفسه، وفي مرحلة منه، طالب الصَّدر أتباعه التقيّد بـ”التباعد الجسدي”، واوصى بالتطعيم و”إلا اعتبرهم خارجين عن التيار” و”محرومين من رضاه”.

بدت وصايا الصَّدر لدرء الجائحة، منسجمة مع المناخ العام على الكوكب، وداعمةً أحياناً لتوصيات السُلطات الصحية، لكنها ايضاً حققت له نوعاً من إعادة فرض السُلطة على تياره المنقسم على نفسه من الداخل، مع بروز مراكز قوى تضاهي الصَّدر نفوذاً. لذا تشديدات الصَّدر على التطعيم، ومن ثم ظهوره جسدياً لأخذ اللقاح، إنما كانت واحدة من محاولات ضبط شتات القوة الموزعة بين منافسين داخليين.

القتل مقابل “المرجعية”

ومثلما يحاول الصَّدر الانفصال عن التيار الصَّدري العام، وتنقية سيرته من المغامرات المهدوية -الدعوية منها أو المُسلحة- يحاول بناء قاعدة صَّدرية جديدة عبر “البُنيان المرصوص”، تُمثل حُمولته الفكرية في مواجهاته المُستقبلية التي تتطلب جمهوراً متعلماً ممن يُتقنون الجدل، تحضيراً لقفزته الجديدة، وسعيه لنيل صفة “المرجع”. يشي ذلك بأزمة ثقة عميقة بمن حوله، لذا سيحاول تصفير مشاكله الداخلية، مع الإبقاء على خطوط المنافسة في إدارة الصراع السياسي. 

أزمة الثقة، جعلت الصَّدر ميالاً الى الاعتقاد بقرب تصفيته، رغم إن مواجهاته السياسية لن تؤدي الى قتله، لكن تنافسه على شغل “المرجعية”، إن حاز المرتبة الدينية العُليا، في مرحلة ما بعد السيستاني قد تضعه في عين “القتل” لخطورة مشروعه الفقهي الاقصائي، ويقين انحيازه الى الثأرية من خصوم مرجعيّة والده، وإلحاحه بقيام “مرجعية عراقية” تنفصل عن المؤثرات التاريخية المُعتادة وتراتبية المشورة بين النجف وقُم، والدّور الحيوي الذي تلعبه مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن، في اختيار المجتهد الاعظم. 

المرحلة المقبلة ستكون عسيرة التوقع في حال وفاة قطبَي الشيعية الحاليَّين السيستاني وخامنئي، رغم تضادهما في رؤية القيادة الفقهية والسياسية. لذا الصَّدر يريد الاستعجال في القفز الى موقع المنافسة النجفية مع بروز محمد رضا السيستاني، كوريث مستقبلي مُحتمل للخط التقليدي، يملك أدوات مواجهة مُستقرة، من بينها اطمئنان العموم الشيعي له كأمتداد لوالده، بُنية الاستثمارات المالية الضخمة للعتبات الشيعية، القوة العسكرية المنظمة المتمثلة بـ”فرقة العبّاس القتالية” و”لواء علي الاكبر”.  

ومثلما أوصلت “المغامرة المهدوية” الصَّدر الأب، كبوابة ظفرٍ بـ”المرجعية”، الى حَتفه، يَخشى الصَّدر الابن، أن يلقى مصيراً مُشابهاً ثمناً لمغامرة مُستمرة منذ عقود.


  1. راجع موقف مقتدى الصَّدر في سياق هذه الورقة من وفاة المرجع الشيعي محمد سعيد الحكيم، والذي عُدَّ احد ابرز المرشحين المحتملين لخلافة المرجع الشيعي الاعلى السيستاني. ↩︎
  2. المقصود بهم، الآيات النجفية، علي السيستاني (ايراني الاصل)، محمد سعيد الحكيم (توفي مقتبل أيلول/ سبتمبر 2021)، بشير النجفي (باكستاني)، اسحاق الفياض (افغاني). ↩︎
  3. للمهدي في غيبته الصغرى (استمرت 69 عاماً)، أربعة سفراء أو نواب، كانوا صلته مع العموم الشيعي وجمع “الخُمس”. وبوفاة السفير الرابع علي بن محمد السَّمَري البغدادي، انقطعت النيابة الخاصة، وغاب المهدي غيبته الكُبرى. مع بروز الصَّدر الاب اوائل التسعينيات الفائتة، وتبشيره بالمهدوية كرافعة لمرجعيته، وقوله بـ”العرفان”، شاع بين تلامذته وانصاره بأنه سفير المهدي الخامس، الممهد لزمن الظهور. انظر مثلاً: السفير الخامس، عباس الزيدي المياحي، طبعة خاصة، بلا سنة. ↩︎
  4. على اعتبار إن ثمة جماعات شيعية مجاورة كالشيخية (الإحسائية) والإخبارية -شبه المنقرضة-، يعترضون أشد الاعتراض على مسألة الحكم والحاكمية والسلطة والولاية في عصر الغيبة، حتى لو كانت نيابة عنه، بالتالي هم بالضد من (ولاية الفقيه)، وهو تفسير ايضاً يتضاد مع حاكمية الولاية العامة (الخط التقليدي – فرضية العموم الشيعي التي يمثلها السيستاني)، والاقتصار على “النص” المنقول سواء كان تواتراً أو احاداً في تحديد هوية الامة السياسية والفقهية، والعمل بها من قبل الفقهاء الذين تكون مهمتهم الأساسية عند الشيخية والاخبارية، وفي جانب ما لدى الأصولية، الحفاظ على النصوص وضمان استمرارية فاعليتها الاجتماعية في ضبط جمهور التشيع. ↩︎
  5. راجع: تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى، حسين المدرسي الطباطبائي، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1993. ↩︎
  6. راجع: مستند العروة الوثقی – کتاب الخمس، محاضرات زعيم الحوزة العلمية اية الله العظمى السيّد ابو القاسم الموسوي الخوئي، مرتضى البروجردي، المطبعة العلمية قُم، 1978.  ↩︎
  7. ثمة جدل غير مُعلن في الأوساط النخبوية الحوزوية سواء النجفية أو القُمّية، اطلع عليه الباحث، حيث خاض نقاشات مُطولة واجرى لقاءات شخصية على مدى ثلاثة أشهر (تموز- ايلول 2015) مع عدد من رجال الدين من الدارسين في حوزة قُم، واستكملها في لقاءات وحوارات مع رجال دين ودارسين في حوزة النجف بين حزيران وديسمبر 2016، في سياق تحضيره لكتاب عن سرديات العقل الشيعي المؤسسة لادارة الدولة، قدّ يصدر مستقبلاً.
    خلاصة الجدل يفضي الى ضرورة حجب تداول “الموسوعة المهدوية” للصَّدر الاب، لجهة ضررها الفادح على العقل الشعبي الشيعي وامكانية استثمارها على نحو واسع من قبل “الجماعات المهدوية”، وإن منفعتها الفكرية تكاد تكون محدودة ضمن مذاكرة قضية الظهور والاستئناس بها، دون اعتبارها دليلاً اصلياً يؤدي الى المعرفة بـ”المهدي” او الجزم بصحة الحوادث السابقة او اللاحقة لظهوره، بضرورة إن مطابقة “النص” والأحاديث المنقولة مع الأحداث الواقعة حاضراً يفتح باب تأويل واسع، ويُغري مخيال الساعين الى المكانة باستثمار مبتكرات الصدر الأب، بوصفه “مُحققاً موثوقاً”، تُغني عن التحقق الدقيق واخضاعها الى الفحص العلمي السندي (آلية الجرح والتعديل) فيما ورد في الموسوعة القائمة بالأساس على مصادر ضعيفة السند مثل مُخرجات “بحار الأنوار” وغيرها من كتب السردية الشيعية المؤسسة (بكسر السين) التي يرى فيها عدد من كبار المجتهدين الوسطيين مثل محمد حسين فضل الله، انها لا تصح على الاستدلال.
    في السياق نفسه، يناقض الصَّدر الاب، برهنة نظريته بنفسه، حين يذهب الى تبرير مُخرجاته عن حوادث المهدي بأنه سار على “أسلوب معين في فهم غالب الحوادث الواردة في الأخبار، وهو أسلوب الحمل على الرمزية، لوجود الإطمئنان في كثير من الأحيان، بأن المداليل اللفظية للأخبار الناقلة لهذه الحوادث غير مقصودة، إنما المقصود من ورائها الإشارة إلى حوادث اجتماعية مما قد يتمخض عنها التخطيط السابق على الظهور”، ويضيف، “مؤدى جملة كبيرة من الأخبار الناقلة للحوادث، ظاهراً بأنها تحصل عن طريق إعجازي غير طبيعي، بشكل يكون منافياً مع قانون المعجزات الذي برهنا على صحته”. الموسوعة المهدوية، تاريخ ما بعد الظهور، ج 3، طبعة دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان. ص212، ص 217 وما بعدها. 
    كما أنه يُشير من غير لبس، الى أن المهدي لا تتوافر فيه قدرة قيادة الدولة المفترضة لجهة استدلاله على أن “الإشراف يقتضي الإمساك بالزمام الأعلى للدولة، وتحديد سياستها العامة وقواعدها الكُلية من ناحية القانونية والاجتماعية والعقائدية، وهو ما يتعذر إيجاده بالمراسلة كما هو معلوم، الا عن طريق معجزة. والمعجزة لا تكون هي الأساس اصلاً في العمل الإسلامي وقيادة الدول”. وفي مقارنته بين وضع النبي محمد، كقائم على رأس الدولة الاسلامية، وبين المهدي بوصفه قائداً لدولته المنتظرة، يقول الصدر، “إن النبي كان يقود دولته بالصراحة والمواجهة – أي بالحضور الجسدي المباشر -، على حين تقول الرواية، بأن المهدي يقود ذلك المجتمع بالمراسلة. ومن الواضح بأن ما تنتجه المراسلة لا يمكن أن يصل الى نتائج المواجهة بأية حال”. موسوعة الامام المهدي، تاريخ الغيبة الكبرى، ج 2، طبعة مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي العامة، أصفهان، إيران. بدون تاريخ. ص 84. ↩︎
  8. تعود أصول فكرة “جيش المهدي” الى ثنائي شيعي من المتأثرين بمقولات الصدر الاب، وهما الشيخ عبد الزهراء البديري، وتابع له يدعى “ابو المهيمن”، وهو بصراوي من ذوي البشرة السمراء. لعب الثنائيان ادواراً مبكرة اوائل التسعينيات الماضية بالدعوة الى “المهدي”، على اعتبار ان البديري هو “اليماني”، وحثه أنصاره على إعلان مرجعيته بوصفه قد تحصّل على بعض المعارف من مدرسة سامراء الدينية. تدخل كبار مراجع النجف حينها لدى الصدر الاب لوقف “مهزلة البديري” واتباعه، فهدد بإصدار فتوى “فسق” بحقه ما لم يُعلن التوبة. تراجع البديري والتحق بمدرسة الصدر، مواصلاً نشاطه “المهدوي” مع أنصاره في قطاع (23) حي الگيارة في مدينة الثورة – الصدر لاحقاً ببغداد، معلناً عن تأسيس “جيش المهدي” اوائل العام 1996، دون اي نشاط مُسلح يذكر، لكن اعلانهما لـ”جيش المهدي” مَثَلَ تهديداً صريحاً لنظام البعث – صدّام الذي اعتقلهما واعدمها في السنة ذاتها مع آخرين. وفقاً لمقابلتين عبر الهاتف مع عضوين سابقين في تنظيم البديري، بتاريخ 30 حزيران/ يونيو 2023.  ↩︎
  9. من غير البديهي اعتبار انتفاضة آذار/ مارس 1991، حدثاً شيعياً بحتاً ينطلق من السردية الشيعية المتعلقة بـ”المهدوية” او “الشعائرية الحسينية”، رغم محاولات محو سياقها التاريخي لقوة وقدرة الرفض الاجتماعي على المواجهة السياسية من قبل العموم العراقي بعد هزيمة حرب الكويت المدوية، واحالتها الى “انتفاضة شيعية” مناطقية ثأرية تخلو من استجابة وطنية بالضد من سياسات نظام البعث – صدام. ↩︎
  10.   راجع مثلاً، رواية مُشاعة اطلقها الصَّدر الاب نفسه، بأن اختيار مسجد الكوفة لاقامة “صلاة الجمعة”، كانت نتاج لقاء المهدي معه في باحة منزله في حي الحنانة بالنجف في الربع الاول من العام 1998.  ↩︎
  11. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، لمحمد باقر المجلسي (ت 1111 هـ)، كتاب الغيبة لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المُلقب بـ”شيخ الطائفة” (ت 460 هـ)، “الكافي في الأصول والفروع” المشهور بـ”الكافي” لمحمد بن يعقوب الكليني (ت 329 هـ)، كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم بن جعفر النُعماني (ت 360 هـ). ↩︎
  12. استمر مقتدى الصدر باستثمار الفرضية في جميع مواجهاته السياسية اللاحقة، عبر استخدام الشارع في صراعه مع الأضداد الشيعية المنافسة. ↩︎
  13. استقطب الصدر الاب، تلامذته والدارسين في حوزته عبر القائه دروساً في التصوف، أو ما يُعرف في الاوساط الحوزوية بـ(العرفان والسلوك) او (علم الباطن والحقيقة)، الذي يقابله لدى فقهاء الخط التقليدي الأصولي (علم الظاهر والشريعة). ↩︎
  14. محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قتل بين المدينة ومكة، في 14 رمضان سنة 145 للهجرة، إثر قمع حركته المُسلحة من قبل الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور. ↩︎
  15. يدّعي الصَّدر الأب، علانية انه تلقى العرفان والمعرفة بـ”الباطن” والقرب من المهدي، من مصدرين، اولهما عبر المرشد الايراني الراحل روح الله الخُميني حين اقامته في النجف، فمحمد محمد صادق الصدر، هو من كتب تقريرات نظرية “الحكومة الاسلامية” للخميني التي تأسست بموجبها “ولاية الفقيه” بناء على افتراض صحة “مقبولة عمر بن حنظلة – وهي موضع شك، وقائمة بالاساس على اشتباه لفظي غير محسوم الصحة حتى الآن (الباحث) -. ويزعم الصَّدر إن العارفين بالعرفان ثلاثة فقط، الخُميني والسبزواري وهو. أما الخط الثاني الذي تلقى منه الصَّدر العرفان، فهو الخط الشعبي، من كسبة ومشتغلين غنوصيين من غير رجال الدين زامنهم في النجف والكوفة. ↩︎
  16. راجع: المشروطة والمستبدة مع كتاب تنبيه الأمة وتنزيه الملّة للشيخ النائيني، رشيد الخيون، معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2006. ↩︎
  17.  حادثة اعتراض محمد سعيد الحكيم على وفد اهالي ناحية الكفل ببابل، المُعزين بمقتل محمد باقر الحكيم أواخر أغسطس/ آب 2003، واعتبار مقتدى الصدر مرجعية متصلة بأبيه، واصفاً إياه بـ” الطفل الجاهل والمخرّبَط الذي لا أصل ولا فصل له”. ↩︎
  18. الصدر يدعو إلى حملة تنظيف “واسعة” في النجف، روداوو عربية، 3 أيلول/ سبتمبر 2021. ↩︎
  19. “هنا (في النجف) هناك آلاف العراقيل حتى يصير الشخص طالب حوزة وليس حتى يكون مجتهداً، مجرد لبس العمامة يواجه المئات من العراقيل، هنا نحتاج إلى انسيابية. ثم إن هناك في إيران يوجد رأس هرم بينما هنا في العراق رأس الهرم هذا تقريبا غير موجود، كل واحد يجر نحو جهة معينة، هذا يقول أنا من الطرف الفلاني وذاك يقول أنا من الطرف الفلاني، لهذا ضائعة هنا بعض الشيء”. مقتدى الصدر: الإرهاب هو الحاكم في العراق، حوار مع صحيفة الشرق الأوسط، 13 تشرين الأول/ نوفمبر 2013. ↩︎
  20.  أعلن مقتدى الصدر تشكيل ميليشياه “جيش الامام المهدي” بخطبة الجمعة (14) من مسجد الكوفة في 18 تموز/ يوليو 2003، بما نصّه: “… بعونه تعالى سوف اسعى وتسعون معي لجمع بعض الأطراف ليؤسسوا دستوراً ومجلساً للحكم، ليعلنوا ايضاً عن تأسيس دولة اسلامية تسعى لتطبيق الحكم الشرعي، وستكون دولة ممهدة لدولة الامام المهدي (عج) ليكون قائدها ورئيسها ومحررها من الظلم والاحتلال، وسأسعى وانتم معي الى تأسيس أكبر مقومات الدولة، بتأسيس جيش اسلامي مطيع لمراجعه وقواده، وذلك بفتح باب التسجيل للتطوع في هذا الجيش العظيم (…) وان شاء الله يكون هذا الجيش تحت مسمى جيش الامام المهدي (عج)”. في ردٍ على تشكيل سلطة الاحتلال المؤقتة لمجلس الحكم والبدء بوضع الخطوات الاولى لكتابة دستور جديد، راجع: موقع المكتب الخاص للسيد مقتدى الصدر، جوابنا، خطبة صلاة الجمعة الرابعة عشر لسماحة السيد القائد مقتدى الصدر.  ↩︎
  21. في صلاة الجمعة اللاحقة لحادثة اسقاط “راية المهدي”، زعم مقتدى الصدر في خطبته بأن “اعتداء اميركا على راية الامام المهدي المنتظر، رئيس المسلمين كان بمثابة درس للاميركيين، والامام المهدي قابلهم بمعجزة داخل أميركا حيث كان الانقطاع في التيار الكهربائي لمدة ليست بالقصيرة بالنسبة لهم”. ↩︎
  22. نسبة الى عدد انصار “المهديّ” حين ظهوره في مكة، وفقاً للمرّوية الشيعية.  ↩︎
  23. ثمة نوعان من الحركات المهدوية، يجب التمييز بينهما. الاول، الحركات المهدوية المتأثرة بالجو العام لاطروحات الصَّدر الاب، مثل حركة حيدر مشتت جاسب المنشداوي، المنحدر من ميسان، الذي ادعى بأنه “اليماني” نائب الإمام الغائب والممهد لظهوره بوصفه “أبو عبد الله الحسين القحطاني”، بعد مقتل الصَّدر الأب، عام 2000، وإصداره لصحيفة “القائم”، وصراعه مع خط ولاية الفقيه وعلي الكوراني العاملي، ودعوته الى اعتراف بسلطته الدينية والروحية من مسجد الكوفة. بيّنما نشأت الحركة المهدوية الموازية في الوقت ذاته، تزعمها أحمد اسماعيل گاطع السويلم (السلمي)، المنحدر من شمال البصرة، بوصفه احمد الحسن اليماني ايضاً، رسول ووصي المهدي. وكلاهما تتلمذ في حوزة الصَّدر الاب. قتل المنشداوي ببغداد في 2004، فيما ظل السويلم مستمراً بدعوته “سلمياً” حتّى أواخر 2007، حين أطلق حراكاً مُسلحاً في البصرة والناصرية تمهيداً لظهور الامام. وثمة حركات أخرى شائعة مثل “حركة جند السماء المُسلحة” لضياء عبد الزهرة الكرعاوي، وحركة الداعي الربّاني لعبد الحسين المرسومي في ديالى، والتي أسست حزباً سياسياً معترفاً به، وشاركت في الانتخابات النيابية والبلدية مرات عدة.
    أما النوع الثاني، فهي الحركات المهدوية المتصلة بفرضية مهدوية مقتدى الصدر، هي حركات غامضة، تنشطر وتتسع، ويتم تداول عناوينها دون معرفة قياداتها وأصول نشأتها، سوى ما يتم تداوله دون تحقق، المولوية، أولاد الله، الممهدون، المفكرون، حركة رواة الحديث، حركة النوراني، الشبيه، حركة العشق الإلهي، القربان…الخ. ↩︎
  24.  التزام تام بقرار الصدر: الطاعة للسيّد عمياء، جريدة الأخبار اللبنانية، 31 آب/ أغسطس 2007. ↩︎
  25. راجع: جيش المهدي والتيار الصدري: الصراع على الهوية والتحول، حيدر سعيد، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 53، المجلد 9، تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. ↩︎
  26.  أعلن الصدر حل “لواء اليوم الموعود” في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ضمن مناورته حلّ جميع الفصائل الشيعية المُسلحة في العراق، مُستثنياً الوية سرايا السلام الثلاث، باعتبارها قوة حماية سامراء. ↩︎
  27.  تُشير بعض المصادر الشيعية في البصرة والنجف وكربلاء، تحدث إليها الباحث في حزيران/ يونيو 2023، وفضّلت عدم الاشارة لها بأي توصيف قد يكشف او يُلمح الى هويتها وعناوينها، الى ان “اصحاب القضية”، ينقسمون الى مجموعتين، الاولى (جماعة روح الله) وتعتبر المرشد الإيراني السابق روح الله الخميني هو “مهديهم” الذي لم يمت، بل غاب وسيظهر. والثانية (جماعة النبأ العظيم)، ممن يرون ان المهدي تجسد في مقتدى الصدر، وجماعات اخرى بمسميات مختلفة تتشابه بذات الاطروحة. لكن، سياقياً لا يُمكن الجمع بين الجماعتين في آن، لجهة تناقض الرؤية القائلة بالخُميني كـ”مهدي” وهي أقرب لتصورات الجماعات المُنشقة عن “الحُجّتية”. أما النبأ العظيم، قد يكونون من أصحاب التصور الأكثر مغالاة بأنهم أيقنوا بمهدوية “الصدر” لحظة تصديقهم بمزاعم مقتل (مقتدى) في معركة النجف الثانية، وإن المهدي لم يجد منزلة اعلى من التجسد في هيئة الصدر، فكان ذاك نبأهم العظيم. ↩︎
  28.  مقتدى الصدر يتحدث لـ(المدى) عن يهود العراق وزيارته لأميركا ومحاولة تمدين التيار الديني، سرمد الطائي، جريدة المدى، العدد 2764،  02 نيسان 2013. ↩︎
  29.  راجع: شجرة الهشاشة العراقية: من “المهدي” إلى التضحية بـ “ماركس”، صفاء خلف، موقع جدلية، ابريل/ نيسان 2018. ↩︎
  30.  مسائل وردود، آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر، ج 3، دار ومكتبة البصائر للنشر والتوزيع، بيروت، 2010، ص 28، المسألة 102. [س – هل من يدعي الشيوعية نجساً. ج: مع الاعتقاد الذي يستلزم إنكار اصول الدين، او ضروريات الدين، يعتبر نجساً]
    ↩︎
  31.  ولايتي في بغداد يطالب «الحشد الشعبي» بمواجهة القوات الأميركية شرق الفرات، موقع إيلاف، 19 شباط/ فبراير 2018. ↩︎
  32. يقول مقتدى الصدر: “هم وأنا بهذا الوضع لا يتحملونني، فكيف إذا بي أتصدى للمرجعية وأصير مرجعا دينيا؟ بالتأكيد هذا هدفي، وهو أن أكون مجتهدا (فقهيا)، والتصدي للمرجعية هو غير الاجتهاد، فعلى الأقل أن أكون إماما ربياً (منضبطا)، أموري في الاجتهاد الفقهي، أما المرجعية فهذا أمر آخر”. الشرق الاوسط (2013)، مصدر سابق. ↩︎
  33. راجع: حكومة العراق 2022: البئر المالحة لتهجين تقاسم السُلطة، صفاء خلف، السفير العربي، تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. ↩︎
  34. راجع متبنيات الصدر الاب في “لقاء الحنانة” الشهير، في أجزائه الثلاث. ↩︎
  35.  فالصدر الاب لا يجيز لمقلديه “العدول” من مرجع الى آخر، الا “في العدول الى الاعلم”. واعلمية خامنئي لدى الصدر الابن وعموم جمهور الصدريين غير متحققة. كما ان الصدريين ليسوا بوارد تقليد مرجع لا تصلهم به صلة وجدانية وسياسية. راجع: مسائل وردود، المصدر السابق، المسألة 36، ص 15. ↩︎
  36. راجع: بيان وتبيين في الفكر المتين، في شرح حلقات الأصول، للشهيد الاستاذ محمد باقر الصدر، تقرير الشيخ رياض الكرعاوي، نسخة حوزوية. بلا سنة. ↩︎
  37.  الخزعلي، هو أمين عام ميليشيا العصائب، والحميداوي هو امين عام كتائب حزب الله، والمحمداوي، عضو قيادي في الكتائب ورئيس أركان هيئة “الحشد الشعبي” التي تنضوي تحتها الفصائل المسلحة الشيعية او غير الشيعية المتحالفة معها. ↩︎
  38.  راجع: العراق ما بعد داعش – ازمة الافراط بالتفاؤل، صفاء خلف، دار الكتب العلمية، بغداد. 2019. ↩︎
  39.  انظر: الدولة والامة في مخيال الانتليجنسيا الشيعية في العراق، علي طاهر الحمود، مؤسسة فريدريش إيبرت – مكتب عمان، 2017. ↩︎
  40.  راجع: لقاحات كورونا في العراق: أداة لـ”المراقبة” و”الضبط الجماعاتي” والتنافس السياسي، صفاء خلف، السفير العربي، تشرين الاول/ نوفمبر 2021. ↩︎

أضف تعليق