التعبئة البيئية في العراق: المنظمات غير الحكومية والفاعلين المحليين في ظل تحديات التغيّر المناخي

صفاء خلف

تتعمق هذه الدراسة في مشهد التعبئة البيئية في العراق، وتدرس المنظمات غير الحكومية والتحديات التي تواجهها وتأثيرها. وهو يسلط الضوء على العوامل الرئيسية التي تشكل الدعوة البيئية، والسياق التاريخي، ونضال المنظمات غير الحكومية مع الحكم وحُزم السُلطة، ومصاعب ومستويات التمويل. وتحدد الدراسة القيود والتعقيدات التي تعيق النشاط البيئي الفعال، وتلقي الضوء على التقدم البطيء في معالجة التحديات البيئية والمناخية في العراق.

نُشرت ومُولت من قبل مبادرة الإصلاح العربي، 25 مايو 2023
نسخة PDF للتحميل والقراءة


استدعت الأزمة البيئية والمُناخية المتسارعة تصويب المنظار البحثي لإنتاج دراسة تحليلية عن التعبئة البيئية في العراق، تستهدف نشاط المنظمات غير الحكومية البيئية تحديداً، فضلاً عن الأفراد الفاعلين في المجال نفسه، عبر سلسلة إجراءات ومقاربات منهجية تتواءم مع طبيعتها المسحية العامة، فضلاً عن الأطر القانونية والمؤسساتية والتحديات الوطنية الحاكمة للعمل البيئي، من أجل إضاءة مسرح عمليات جديد، لكنه متنامٍ للكيانات الفاعلة (منظمات/ نشطاء)، ممن يُنتجون مُدافعة بيئية في أنماط وقوالب وتكتيكات غير متجانسة، وينحدرون من تكوينات ومنهجيات تزداد تعقيداً تبعاً لاستجابة الأزمة البيئية، سيشار إليها لاحقاً في سياق هذه الدراسة.

بداية، توصّلت الدراسة، بعد فحص أنماط وديناميات التعبئة، إلى ثلاثة مؤثرات تتلاعب بمستقبل المُدافعة البيئية في العراق:

المؤثر الأول

وطنياً ما زال العمل البيئي جنينياً وخاضعاً الى مبادرات غير تراكمية تَضمحلُ بزوال التمويل أو التحول إلى برامج أكثر “ربحية”، كالأعمال الاغاثية، او الاستجابات الطارئة لأزمات مرحلية مثل خطط مكافحة (Covid – 19)، نقص المياه في مخيّمات النزوح، وهو نهج شائع ومتداول لدى “منظمات المُساندة البيئية”، وهو ما قدّ يؤدي الى التراجع، أو يتعكز بإفراط على خطط المانحين. او ربما يتم تُوجيهه تحت مؤثرات التمويل، التشبيك، أو التبعية البيروقراطية، من قبل الهياكل الحكومية إلى إنتاج سياسات تُحَجْم من قوة التعبئة البيئية المدنية، ولاسيما في أوساط “المنظمات البيئية الاكاديمية – المكتبية”.

المؤثر الثاني

مرونة إعادة تعريف هوية الممارسات التنظيمية وتشكيلها من قبل المنظمات غير الحكومية نفسها، طبقاً للتشريع القطري الحاكم لها، الذي يُتيح إمكانية تسييل الهويات الام للمنظمات وتغيير مسُمياتها الاشهارية وانظمتها الداخلية لتشمل صيانة البيئات وتعزيز قدرات المجتمعات الاهلية الهشة على مواجهة التغير المناخي، ما قد يُنتج زيادة في عدد الكيانات المُشتغلة في الحقل البيئي، وتوسعة واعدة للتفكير المحلي ذي المعرفة العميقة بالمُشكلات البيئية، وإدماجها ضمن نقاشات وحراك الفضاء الاجتماعي العام.

المؤثر الثالث

تراجع الحريات كعائق أمام تنامي مسؤولية الكيانات المدنية عن المساءلة العامة، نتيجة تغوّل النفوذ غير المؤسسي لجماعات عُنفية – تنشط داخل وخارج إطار الدولة – تُشكك سردياتها بالأنشطة غير الحكومية المُعتمدة على تمويلات الكتل الدولية (الاجنبية) المانحة مع غياب التمويل الوطني، حيث تتضارب أنشطة التعبئة البيئية مع الهياكل التي تحمي شبكة مصالح ريعية لا تنسجم تطلعاتها المُستقبلية مع زيادة حدّة المخاطر البيئية والمُناخية.


المجتمع المدني العراقي من “المركزية” إلى الحيّز العام:

غالباً، في العراق ارتبط تنظيم القوى الاجتماعية نفسَها في العهود الجمهورية (ما بعد 1958)، بكيانات ونقابات وجمعيات ذات توجه مركزي خاضع للتصوّرات الحزبية، أو تهيمن الدولة عليها بحكم النزعة القُطرية – القومية، شديدة التمسك بالهيمنة على التمثيل القطاعي. بمعنى أن ما قبل 2003، كانت المنظمات القطاعية العامة تعبر عن سياسات الدولة المركزية. وبالتالي ظلّت قوى التمثيل المجتمعي مُسيّسة، وتعبر عن هموم نقابية مُجزّأة بين عمال وفلاحين وحرفيين في إطار متبنيات إيديولوجية، لتُستخدم كأدوات لحيازة التأثير أو التنافس على السلطة.1

في سبعينيات القرن الماضي، طرأت تغييرات هيكلية انتقالية، أكثر مركزية، على صيغة التعاقد بين المنظمات والسلطة الجديدة التي أدارها حزب البعث بتطرّف شمولي (1968 – 2003)، حين عمد إلى تأميم هياكل “المجتمع المدني”، وتحويلها إلى أذرع إضافية للدولة المؤسسية، لتبسط أشكالها التنظيمية الخانقة على ما تبقى من المجال العام المتآكل.2 كنوع من هيكلة المجتمع لصالح الدولة، التي “تنشأ أساساً من مشكلة الثقة، وتقدّم نموذجاً لمجتمع يتم فيه إعداد الشعار الصامت للفردانية بواسطة الحداثة” (Beck:1992). لذا يُعدّ مفهوم وأنساق “المجتمع المدني – المنظمات غير الحكومية” جديداً كلياً في العراق، وطُرحت بذورها الأولى في “مجتمع متشظٍ ومنقسم، يعاني أزمة هوية مزمنة”،3 عقب “التحرر” من النظام التوتاليتاري إثر احتلال العراق في 2003، لكنه أشّر إلى عدم تمتُّع المجتمع بالثقة والأهلية والمؤسسات التي تؤهله لملء فراغ “السلطة الاجتماعية” آنذاك.

ونظراً للسياسات الحكومية المناهضة للتنظيمات المجتمعية المُستقلة على مدى نصف قرن (1958 – 2003)؛ تَشَكل “المجتمع المدني الجديد” وكياناته، برغبة فوقية لسلطة الاحتلال المؤقتة (CPA)4 مدفوعة بنهج إحلال “مجال عام” متحرر من الصيغة المركزية السابقة لإدارة المجتمع ضمن برنامج دمقرطة العراق، ما قد يبدو أنه ليس انعكاساً مباشراً للحراك الأهلي الذي ظل عائماً في محيط خبرته الموروثة من التشوّهات المؤسسية السابقة، لكنه بضرورة الانفتاح، اندفع لتلقّف الفرصة بقوة. لذا عملياً فإن خبرة المجتمع الأهلي الجديدة تم تكييفها من قبل المنظمات الدولية سواء المُدَرّبة أو المانحة.

إن “ولادة المجتمع المدني في العراق لم تأتِ نتيجة فردوس التناغم، بل كثمرة لتصادم المصالح وتضارب الأجندات”.5 ويبدو ذلك في خُلاصته قابلاً للتصديق، لكن أيضاً؛ ارتبط العمل المدني في العراق بـ”التمويل والمانحين”، بعيداً عن التطوعية الاجتماعية الناشئة من المسؤولية العامة في خدمة القضايا والأزمات المحلية، حيث ظل العراق مفتقراً، على مدى عقود، إلى مجتمع مدني مُناصر للبيئة. فمنذ تأسيس الدولة الحديثة في العراق العام 1921، لم تتشكَّل أية منظمة أو مبادرة قادها المجتمع المدني المُنظم لها صلة بالقضايا البيئية، حتّى أوائل العام 1987، حين بادرت الحكومة إلى تأسيس ما أسمته “مكتب الشباب والبيئة العراقي”،6 كمنظمة مدنية مرتبطة بوزارة الشباب حينها، لكنها ظلت محكومة بسياقات المركزية العمومية التي تنتهجها الدولة في ضبط الأنشطة غير الحكومية.

ورغم تصنيف العراق كـ”بلد زراعي” يحتلّ مكانة هامة ضمن النظم البيئية كموطن لنهرين منذ نشأته التاريخية الأولى، إلا أن التحوّل المتسلسل نحو الاهتمام بالقضايا البيئية من قبل الطيف الواسع من منظمات المجتمع المدني المحلية، بدأ بين عامي 2008 و2012، حين بدأ المانحون الدوليون بتطويع برامج موجهة نحو تلك القضايا، على أثر موجتي جفاف شديدتين ضربتا البلاد في حينها.7

إطلاق “المنظمات غير الحكومية” إلى الحيّز العام بالمعنى الهامبرماسي،8 كانت محددة الاتجاهات لجهة الاشتباك الحاصل بين ثلاثة عوامل متداخلة، (غياب الدولة/ فراغ السلطة/ رغبة المجتمع المحلي في تمثيل مصالحه). جميع قوانين وأنظمة العراق البيئية المُشرّعة رسمياً، وعددها نحو 35 قانوناً، منذ صدور أول قانون بيئي في العام 1929، لم يُشرك فيها المجتمع الأهلي أو منظمات العمل البيئي غير الحكومية، أو حتى المنظمات العمومية أو القطاعية ذات التوجه المركزي، في جميع العهود الملكية أو الجمهورية، ما يثير قلقاً بالغاً إزاء المجتمعات المحلية المتضررة، ويُعبّر عن مديات غياب التنسيق والحوار بين المجتمع المدني الحُرّ والسُلطات التشريعية وهياكل الحكومة التنفيذية. ونادراً ما كانت القضايا البيئية دافعاً مقبولاً حتى تكون جزءاً من حراك حيازة المجتمع المحلي على مكانة في السلطة الناشئة ما بعد 2003.

الأضرار البيئية العميقة التي تسببت بها حروب الدولة العراقية في المنطقة، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، والتجريف الواسع النطاق للبيئة المحلية والعبث بالنظم البيئية والإيكولوجية، مثل تجفيف الأهوار التاريخية، زيادة تملّح الأراضي الواقعة أسفل السهل الرسوبي، لم تخلق استجابة نوعية مدنية من طرف المجتمع الأهلي.9

فالمنظمات البيئية التي تشكلت في السنوات الأولى بعد 2003، كانت معدودة، وارتبط أغلبها بتنفيس “المظلومية” المناطقية جراء سياسات نظام تعسفي أحادي التكوين. كما أن التوتر الأمني طيلة عقد تقريباً في مرحلة ما قبل “داعش” (2003 – 2013)، حطّم قدرة المجتمع الأهلي الغارق في المواجهة العُنفية على التفكير بالمُدافعة البيئية، لذا تلاشت أغلب الكيانات البيئية دون إحلال بديل، مثل منظمة (السلام الأخضر العراقية) التي سجلتها وزارة التخطيط وفقاً للوائح سُلطة الاحتلال المؤقتة في العام 2004، كأول منظمة بيئية محلية، بعدما رُفض تسجيلها في نيسان/ أبريل 1997، من قبل وزارة الداخلية في العهد البعثي السابق بـ”حجة الاعتراض على تلقي التمويل من الخارج”.10

غير أن التحديات المتسارعة؛ كنقص المياه والتصحر والتغيّر المُناخي، بدءاً من موجة الجفاف التي ضربت العراق في 2008،11 أوجدت حاجة عملية إلى تأسيس كيانات بيئية جديدة، في ظل هامش المساحة الحرّة لتمثيل المجتمع الأهلي، وفقاً للإطار التشريعي القُطري الحاكم لعمل المنظمات غير الحكومية (2010)، الذي ساعد على حوكمة المنظمات، وضبط معايير تأسيسها وعملها. لكن إجمالاً، باتت منظمات البيئة في العراق تتشكل على أساس ثنائية: الاستجابة البطيئة للتحديات البيئية المحلية، والزيادة في فرص التمويل بناء على اهتمام المانحين بملف بات حيوياً.

وبينما لا يُقدّم الهيكل الحكومي الأساسي المسؤول عن تسجيل وإشهار المنظمات،12 تحديثاً دورياً لعديد الكيانات الأهلية وتصنيفاتها، ظلت التكهنات تتراكم عن أعداد المنظمات. بينما تقول الأمانة العامة لمجلس الوزراء (أعلى سُلطة إدارية في البلاد) أن الكيانات غير الحكومية المحلية المسجلة رسمياً والممنوحة إجازات عمل تقارب الخمسة آلاف منظمة، إلى جوار 100 فرع لمنظمات أجنبية تحت مظلة القانون رقم 12 لسنة 2010.13 وبموازاة ذلك، تمنح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عدداً محدوداً من التراخيص لمنظمات تنشط في المجال البيئي والبيولوجي، عادة ما تكون أشبه بمكاتب علمية مساندة لمراكز الأبحاث الحكومية، فيما منظمات أخرى تحصل على موافقاتها من وزارة التخطيط، وهي منظمات قطاعية تشكلت ككيانات استشارية، بينما لا تمنح وزارة البيئة تراخيصَ من أي نوع ما يخص العمل البيئي الأهلي.

منهجية الدراسة

وظفت هذه الدراسة، المنهج الوصفي التحليلي لتفكيك أشكال التعبئة، عبر التواصل وإجراء مقابلات مع 18 منظمة بيئية غير حكومية تنشط في المناطق والمحافظات الخاضعة لحكومة العراق الاتحادية،14 استهدفت كعيّنة، بعد تتبع أنشطتها المُعلنة والمتحققة فعلياً، كمبادرات وقضايا ذات أولوية وطرائق مُدافعة، من خلال مراجعة المواقع الإلكترونية الرسمية لتلك المنظمات، وحسابات التواصل الاجتماعي، ووصول التأثير إلى منصات التداول الإخباري. وطُرحت على الفاعلين فيها، مصفوفة تحقُّق من 13 سؤالاً، صُممت للوصول إلى خمسة مناظير معيارية رئيسة تمحورت حول: القضايا البيئية الأساسية، أشكال التعبئة، الدوافع والآليات، التشبيك والتمويل، التحديات والمخاطر. بالنتيجة؛ استجابت تسعُ منظمات فقط، للانخراط في هذه الدراسة.15

نظراً لعدم وجود لائحة رسمية نهائية ومُحدّثة بأسماء المنظمات، لجأت الدراسة إلى مصادر بديلة، من أجل الوصول إلى عدد تقريبي للمنظمات البيئية غير الحكومية في العراق، لذا أحصت بشكل مُستقل وجود نحو 185 منظمة بيئية مُسجلة رسمياً،16 إضافة إلى 12 منظمة إزالة ألغام، اثنتان منها فقط تنشطان في جنوب العراق،17 عبر رصد الاجتماعات البيئية، حملات المناصرة، البيانات الرسمية، قاعدة بيانات دائرة المنظمات غير الحكومية بين عامي 2011 و2018، فيما صنّفت المنظمات التي تنشط في الزراعة/ المياه/ البيئة عبر مُسمياتها الإشهارية على أنها منظمات تُعنى بالتعبئة البيئية.

وتوصلت الدراسة، بناء على مُراجعة خمس نشرات رسمية لدائرة المنظمات غير الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ما بين حزيران/ يونيو 2016، وكانون الثاني/ يناير 2023،18 إلى 96 منظمة غير حكومية ذات توجه بيئي استناداً إلى مُسمياتها الإشهارية، تم رفض طلبات تأسيسها أو شُطبت من السجلات الرسمية. فيما تبيّن شمالاً، حيث إقليم المنطقة الكردية – شبه المُستقل – وجود 223 منظمة معنية بالبيئة،19 مُسجلة لدى دائرة المنظمات غير الحكومية لدى حكومة إقليم كردستان.

وبناءً على التصورات العددية المُستقلة لهذه الدراسة، فإن نسبة المنظمات البيئية المُسجلة إلى العدد الكُلي للمنظمات العمومية المُعلن عنه تبلغ 2,02%، ما يؤشر إلى أن القضايا البيئية ما زالت في طور النمو ضمن اهتمامات التنظيمات المدنية، وتتمتع باستجابة بطيئة من طرف المجتمع الأهلي لتنظيم نفسه ضمن خطوات مواجهة تحديات التدهور البيئي والمناخي.

عدد المنظمات البيئية المُسجلة في العراق نسبة الى الى عدد المنظمات غير الحكومية العمومية

المنظمات البيئية.. بُنى جديدة تولد من أنماط وكيانات تقليدية:

تفتقر غالبية المنظمات المحلية إلى الحوكمة، حيث إن هياكلها وبناها التنظيمية غير واضحة أو ثابتة، وغالباً ما تتسم بنمط هيمنة الطرف المؤسس عليها، وتتحول بمرور الوقت إلى “شراكات عائلية” تتمركز بيدها الأموال والبرامج. إذ إن “عدم توفر الرقابة المناسبة من قبل المانحين قد يوقع المنظمات غير الحكومية في فخ الممارسات الفاسدة، كسوء استغلال التمويلات، أو سوء استخدام التفويض”،20 لجهة أن علاقات القرابة تهيمن إلى حد كبير على بعض المنظمات، بدلاً من أن تكون “اتحادات طوعية غير قرابية” وفقاً للمقاربة التوكفيلية، حتّى تحقق التواصل بين المجتمع/ الدولة/ حُزم السلطة.

“كثيراً ما يتم انتقاد المنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط على مثل هذه الممارسات الشاذّة، وهناك من يقترح زيادة أحرف على أسماء هذه المنظمات غير الحكومية لتصبح TINGOs أو FINGOs أو GINGOs وغيرها حيث تدل أحرف T وF وG على المنظمات غير الحكومية المرهونة للقبائل (Tribal) والعائلات (Family) والعصابات (Gangster).21

يعتبر غياب الحوكمة التنظيمية أحد أبرز عوائق تطوير عمل المنظمات على نحو عام، ومن ضمنها البيئية المحلية، نظراً لشيوع اللاشفافية المؤسسية كمنهج مُتّبع ومتعارف عليه.

وكصيغة مؤسسية ظاهراً لحوكمة العمل غير الحكومي، تتدخل دائرة المنظمات غير الحكومية تحت مظلة القانون رقم 12 لسنة 2010، لوضع المنظمات تحت الرقابة. إذ يخضع مؤسسو الكيانات المدنية لتدقيقات أمنية مُسبقة من طرف الوكالات الاستخبارية،22 فيما يراقب ديوان الرقابة المالية (أعلى سُلطة رقابة مالية في البلاد) حركة التمويلات،23 لجهة أن “المنظمات تتلقى منحاً ومساعدات دولية، ومن الواجب التحقق من شبهات الفساد، أو تمويل الإرهاب، أو العمل لصالح جهة أجنبية تضرّ بالبلاد”.24

تستدعي إجراءات الحوكمة مخاوف المنظمات والفاعلين البيئيين، من مرونة المعايير في ما يخص تصنيف الأعمال المدنية على أنها “أفعال لصالح جهات أجنبية”، حيث “تنظر السلطة عادةً، بعين الشك إلى المنظمات غير الحكومية بسبب علاقاتها مع الخارج، وكذلك نشاطاتها التي تحل أحياناً محل الخدمات التي تقدمها الدولة، وتحدّ بالتالي من سيطرتها على الموارد والخدمات العامة”.25 لذا تدور عجلة “التخوين” تصاعدياً ضد الكيانات غير الحكومية،26 إثر كل هبّة احتجاج أهلي. وغالباً ما تتحول إلى حملات تحرّض على المعاقبة الجسدية،27 وتمنح الجماعات العُنفية شرعية اغتيال النشطاء المدنيين،28 ما تسبب بعزوف المنظمات عن الانخراط في فعاليات تتعارض مع الدولة/ حُزم السُلطة، أو تتجه إلى تكييف معارضتها كنوعٍ من “التعبئة البيئية المُطيعة” – (Dutiful Environmentalism)، التي لا تشكك بالنظام القائم، ولكنها تعتزم الدفع من أجل التغيير عبر الطابع التعاوني/ المطيع.29

لذا وجدت هذه الدراسة، أن المنظمات البيئية المحلية في العراق، يُمكن فرزها إلى ثلاث تصنيفات أساسية:

1

منظمات المُساندة البيئية

منظمات غير حكومية محلية، تتراوح اعدادها بين عشرات ومئات، ومن الصعب حصرها بسبب طبيعتها التكوينية السائلة، حيث تنشط في مجالات متعددة، من بينها الإغاثة والدعم الانساني، وتُكيّف برامجها لتشمل المبادرات البيئية، وغالباً ما تستحوذ على التمويلات الاكبر للمانحين الدوليين الذين يَعدُّونها “القوة الاساسية” لتنفيذ برامجهم، لاسيما في الحوض العلوي غير المُستقر من العراق، الممتد بين شرق البلاد وغربها صعوداً نحو الشمال بمحاذاة إقليم المنطقة الكردية، حيث التجمعات الحضرية والريفية التي شهدت صراعاً مسلحاً طويل الأمد على مدى عقدين ماضيين.

2

المنظمات البيئية العمومية

تنشط ضمن المصفوفة الوطنية المُكتظة بالمنظمات غير الحكومية المحلية، وتربط مُسمياتها الاشهارية بالقضايا البيئية، كنوع من حيازة النشاط، جذب التمويل، ومنح نفسها سمة معيارية تحدد برامجها المتعلقة بالمشكلات البيئية والمناخية بما يستهدف توسعاً مناطقياً على أساس عمومية الأثر البيئي، وغالباً ما تكون حديثة التأسيس، وبرامجها تتعلق بالمشكلات البيئية والمناخية، ونشاطها غير محدد بمشكلة أو منطقة، مراعاةً لزيادة فرص التمويل، لذا تشغل المساحة الأكبر من بين عديد المنظمات المختصة بالبيئية، وينحدر أغلب ناشطيها من اعمالهم السابقة مع الكيانات المدنية العمومية.

3

المنظمات البيئية المتخصصة

غالباً؛ تستهدف قضايا المياه واعادة إنعاش الاهوار والبيئات الرطبة، أو تلك التي تعتمد على الوفرة المائية، ونشاطها يتسم بالمنهجية والتشبيك الفعّال مع مانحين دوليين او حكوميين، أو مع منظمات مثيلة عابرة للقطرية. فيما نشاطها يتوزع بين منظمات عمل ميداني وحملات تعبئة. وثمة منظمات ذات توجه بيئي تنموي يرتكز على إجراءات علّمية وتقارير رصد ومسوحات مناطقية وإطلاق مشاريع إنعاش وتوطين السكان المحليين. بيّنما هناك منظمات أخرى، تعمل على صون الحياة البرية للأحياء المستقرة أو المهاجرة التي تتوطن في الموائل المائية. وتنشط ايضاً ضمن هذا النسق، ما يُمكن تسميته بـ”المنظمات المكتبية – الاكاديمية”، التي تستثمر علائق “التشبيك النوعي” لصالح قضايا البيئة، بحكم انتماء ناشطيها الى جامعات ومراكز أبحاث حكومية.

تتفق المنظمات التي تمت مقابلتها في سياق هذه الدراسة، على أن منظمات المُساندة البيئية، تتمتع بثقة المانحين الدوليين نظراً للأعمال الإغاثية التي نفذتها منذ العام 2004، بحكم أسبقية تأسيسها على المنظمات البيئية حديثة النشأة، فضلاً عن كونها كيانات مناطقية تتمتع بصلات راسخة مع السكان المحليين، ولديها خبرة العمل في مناطق النزاع.

تعرّضت البيئات الحيوية لتلك المناطق – الموصومة بالتمرد على السلطة المركزية ما بعد 2003 – إلى اختلالات مُدمّرة؛ نزوح جماعي نحو مُخيّمات الإقامة المؤقتة بفعل الأعمال العسكرية شبه المستمرة، إهمال حكومي مُزمن مع تلكؤ عمليات إعادة التوطين والإعمار، انتشار الملوثات والألغام والمخلفات الحربية، وانتهاءً بتزايد الآثار المناخية والبيئية كالجفاف والتصحّر وتراجع المساحات الزراعية، ما جعلها مناطقَ هشّة، وبؤراً لموجات عنف جديدة محتملة، نظراً لتهاوي الاقتصادات المحلية الزراعية، تراجع الخدمات، وتدهور البُنى التحتية للمياه والبيئة.

ونظراً لمسار التعامل الطويل وصيغ التعاقد والثقة المعقودة، يُفضل المانحون الدوليون، تلك الأذرع المحلية في “الحوض غير المُستقر”، نظراً لسجلها السابق في تنفيذ العمليات الإغاثية والإنسانية كـ”مقاولين محليين”، متجنبين المنظمات البيئية حديثة النشأة،30 والتي غالباً ما يدُيرها أكاديميون ونشطاء متعلّمون، والذين (قد) لا يحظون بصلات تقليدية وثيقة مع السكان المحليين، حيث إن “التمييز والمحاباة” باتا رائجين. فـ”المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة تفضل الدخول في شراكة مع المنظمات المحلية الموثوقة نفسها مراراً وتكراراً، وبالتالي استبعاد المنظمات الأخرى”،31 وهو ما يعدّ “هرمية تفضيلية بين المنظمات على أساس معايير التمويل”.32

تقوم شراكات المانحين الدوليين ومنظمات المُساندة البيئية، على “التمويل” مقابل “التمثيل”، ما يُمكن اعتباره أقرب إلى روح التبادل التجاري و”المقاولة”، أي “مركنتيلية جديدة” قائمة على رعاية المصالح، التي تُقيّد قدرة المجتمع المُستهدف على التفكير الطوعي بتحديد أولويات مُسبقة له قد تكون أقل من متطلباته،33 أو يتم توجيهه إلى نقاط تسوية بيئية ذات طبيعة تجارية.34

يُفسر نظام “المقاولة”، معايير تفضيل المانحين الدوليين للمنظمات الداعمة، حيث التحول من العمل الإغاثي والتنموي العام إلى البيئي الخاص، عبر تبديل البرامج والوظائف، وتسييل الهوية العملياتية بهدف ضمان تدفق التمويل. تُفضل الكيانات الدولية ووكالات الأمم المتحدة، تمويل أجسام محلية قادرة على الحركة والتوظيف، وعقد أنشطة بفاعلية أكبر تحت المخاطر، على نحوٍ لا يمكن للكيانات غير المحلية الاضطلاع بها، بسبب بروتوكولات الأمن والحماية والمسؤولية القانونية التي تتطلبها الأشغال في مناطق نزاع مثل “الحوض العراقي العلوي غير المُستقر”، وكسياق معياري، هو نوع من “التبعية الهيكلية” بين المانح والمحلي. لذا، تُكيّف المنظمات المحلية غير المختصة بالنشاط البيئي، نفسها وهياكلها التنظيمية وطبيعة أنشطتها، وفقاً للبرامج المخطط لها من قبل المانحين دون تدخل أو إعادة صياغة، أو تنظيم حملات وبرامج ذات بُعد مستدام، بعيداً عن الأعمال الإغاثية الطارئة.35

التعبئة البيئية… أنماط وأنساق مُستقرة في إطار قضايا مُحددة:

تُشكل نُدرة المياه،36 الإطار الأوسع للنقاشات والمبادرات البيئية التي تستهدف حماية الحق العام في الوصول إلى مصادر متجددة في ظل موجات الجفاف المتعاقبة منذ 2008 على الأقل، لما تمثله من تهديد لشبكة المياه التاريخية لبلاد ما بين النهرين، وتدمير أنماط اقتصادية مرتبطة ببنية المجتمعات التقليدية الريفية أو المدينية في الحوض الوطني لدجلة والفرات، التي ضمنت استقراراً وسلماً أهلياً. لكن هذه الدراسة، أشّرت إلى 27 قضية بيئية مُلحة مُجاورة لندرة المياه، لا تلقى تركيزاً من المنظمات أو الفاعلين البيئيين، لأنها لا تحظى بالتمويل الكافي، أو تتسبب بحالة تعارض مع الدولة/ حُزم السلطة، أو المجتمع الأهلي نفسه الذي يغرق في ممارسات وأنشطة غير صديقة بيئياً.

التعبئة البيئية في العراق: 27 قضية بيئية مُلحة خارج اهتمام المنظمات والنشطاء في العراق

المياه… القضية الأساسية

بفقدان الشبكة المائية الطبيعية، فإن السلم الأهلي والنظام البيئي، سيكونان عرضة لهزّات عنيفة قد تؤدي إلى انفلاش الهياكل الاجتماعية والأنماط الاقتصادية، وهجرة داخلية غير متوقعة تؤدي إلى تغيير ديموغرافي وضغط وتنافس على الموارد المحدودة في المناطق التي ستتجه إليها تلك الهجرات، ما ينبئ بصراعات أهلية مع وفرة السلاح لدى أفراد وعشائر وجماعات مسلحة تملك أنشطة اقتصادية تدافع عنها بتقويض سلطة الدولة مقابل سيادة سلطة الفساد والاستحواذ وشبكات التخادم الزبائني، وهو ما قد يهدد أيضاً وحدة الأراضي العراقية مستقبلاً مع تزايد نضوب الموارد.37

أشَّر ارتفاع مستويات الهشاشة البيئية العامة، إلى قوة التأثير المشترك والمتزامن لعاملَي الاختلال البيئي في العراق: [تغيّر المناخ ونُدرة المياه]، واللّذين يتظافران مع المؤثرات الانعكاسية كالعنف والفقر والنمو السكاني، ليُمثلا معياراً محلياً شديد الحساسية لقياس مَديات “حِدَّة الأثر البيئي”.38

وبمواجهة عجز الاستجابة الحكومية، وغياب أدوات التفكير والتخطيط البيروقراطي المُسبق لإدارة المخاطر، احتلّت حملات التعبئة البيئية المتعلقة بالمياه وحماية الموائل التاريخية الرطبة كالأهوار، المرتبة المتقدمة ضمن اهتمامات العمل البيئي، وملأت الحيز العام بالنقاشات النقدية والمبادرات والتحشيد الطوعي، للتعريف بمخاطر النقص المائي وجفاف الأنهار بسبب التقاعس الحكومي وسياسات دولتَي المنبع، مثل “حملة إنقاذ دجلة“، التي تُعد أقدم حملة دفاع عن المياه، ما زالت نشطة في العراق منذ 11 عاماً،39 تشكلت من تشبيك فعّال عابر للقطرية لمنظمات مجتمع مدني من العراق وتركيا وإيران، وأخرى داعمة متعددة الجنسيات، كجزء من جهد دولي لحفظ التراث العالمي في حوض نهر دجلة الإقليمي من آثار السدود التركية والإيرانية.39

تمثل هذه الحملة،40 واحدة من القدرات الكامنة لقدرة التشبيك العابر للقطرية على اجتياز العقبات المؤسسية البيروقراطية باتجاه التحشيد الدولي لصالح قضايا بيئية تهدد موائل تاريخية مثل الأهوار. فالحملة كانت جزءاً من نجاح العراق بإدراج منطقة الأهوار على لائحة التراث العالمي في 2016، عقب مناصرة دولية أطلقتها الحملة في آذار/ مارس 2012، ومن رحم تلك التكتيكات الناجحة، أطلق نشطاء عراقيون منظمة “حُماة دجلة”.

تنشط “حُماة دجلة” في مجال التعبئة البيئية عبر “استقطاب مجموعات تطوعية شبابية ترويجاً للحفاظ على البيئة والمياه في 16 محافظة عراقية”،41 مُستهدفة أربعة أهداف رئيسة: تعزيز حماية الأنهار والأهوار من السدود والصيد الجائر، التنمية المستدامة المتصلة بالأهداف الأممية بالحد من الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي، تقليل التلوث وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة، فضلاً عن تشجيع سياحة الموائل المائية، وإحياء التراث الشعبي. لكن؛ مقابل أنشطة إنقاذ المياه العراقية، يعتبر الحُماة “البيروقراطية الحكومية بعرقلة ترخيص الأنشطة”42 أبرز عوائق الانفتاح على حملات داخلية أوسع. لذا يتم التركيز على “أهداف مرحلية صغيرة”43 لإنتاج تعبئة مُستمرة. وكواحد من التكتيكات الناجحة في استقطاب المجموعات التطوعية الشبابية، شكلت المنظمة نحو 10 فرق لحُماة محليين في المناطق الواقعة على ضفاف نهري دجلة والفرات، والمحافظة على إطلاق أسبوع المياه العراقي في آذار/ مارس سنوياً، كحملة توعية تعبوية بالتشبيك مع منظمات أخرى.44

لذا فإن أنماط التعبئة البيئية وطنياً، تتشكل وفقاً للكفاءة التنظيمية والتشبيكية للمنظمات نفسها، التي طورت من قدراتها اعتماداً على خبرات العاملين فيها، حيث إنها أنتجت تقارير مراقبة وتحليل ساعدت المجتمع الدولي على فهم المتغير البيئي في العراق على نحو أكثر شفافية من التقارير الحكومية، كالتي تنتجها “منظمة طبيعة العراق”.

فعند ذات النقطة المائية الحرجة، تعمل منظمة “طبيعة العراق”،45 في موائل حوض نهر دجلة أيضاً، شمالاً داخل أراضي المنطقة الكردية، وجنوباً في قلب السهل الرسوبي حيث منطقة الأهوار والأراضي الرطبة، كمنظّمة غير حكومية معتمدة لدى “البرنامج البيئي للأمم المتحدة” (UNEP) وشريك لـ”المجلس العالمي لحماية الطيور”، وأنشطتها ذات أثر فعّال على سياسات الحكومة البيئية، بوصفها مصدراً موثوقاً دولياً، وشريكاً للبيروقراطية المؤسسية بالعمل على تحسين قدرة الهيئات الحكومية على حماية البيئة، تطوير قاعدة بيانات علمية للظروف والاتجاهات البيئية عبر برامج المراقبة والتقصّي البيئي لموارد المياه والتنوع البيولوجي، والحفاظ على أنماط حياة السكان الأصليين. وعلى مدى عقدين طوّرت المنظمة حُزمة إجراءات عملياتية في منطقة الأهوار، أسهمت بإطلاق عدة مبادرات مؤسسية،46 لا تستهدف التعبئة البيئية للمجتمع المحلي القائمة على النقاشات العامة وحملات الضغط فحسب، بل عبر إطلاق مشاريع تنموية واعدة لتحسين البيئة بالشراكة التمويلية والإشرافية الحكومية والدولية.

وفي المنطقة نفسها، تنشط “منظمة المناخ الأخضر”، ويُديرها خبراء بيئة وحياة برّية محليون، تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي، وإعادة توطين المنطقة الأهوارية والموائل الرطبة بيئياً لمكافحة مخاطر نفوق الحيوانات النادرة أو شبه المنقرضة عبر سلسلة برامج توعية للسكان المحليين وشراكات بحثية استكشافية طويلة الأمد مع جامعات ومراكز أبحاث. يوظف الأكاديميون من جامعات عراقية وناشطون مُستقلون ممن يُديرون المنظمة، تقنيات الإعلام الجديد كنمط جديد من تعبئة بيئية توسع من نطاقات الاهتمام المحلي بالمخاطر إلى الحيز الوطني العام، من خلال “شراكة المعلومة”، وإنتاج “مقاربة ثقافية” بيئية، وفقاً لرؤية أنطونيو غرامشي.

يستدعي العمل البيئي، حداً أدنى من المثاقفة المعلوماتية المتعلقة بالأضرار والمخاطر التي تنتج مصفوفاتها المعرفية مراكز أبحاث، علماء، حكومات ومنظمات ذات أهلية مثل الأمم المتحدة ومؤتمرات المناخ…الخ، وهو ما تقترحه المدرسة الألمانية الحديثة في نظرتها إلى “المجال العام”، بوصفه ميداناً يصب فيه التدفق الحر للمعلومات بما يساعد الأفراد الاجتماعيين (النشطاء/ المنظمات) على توجيه واتخاذ خياراتهم وأشكال التعبئة التي يرونها نافعة للقضايا البيئية، كالبرامج التلفزيونية، منصات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الذكية، وهي ما تستثمره بجدارة “منظمة المناخ الأخضر” عبر “برنامج المُستشكف” لخبير الحياة البرية عمر الشيخلي،47 تجربة الناشط البيئي مهدي ليث،48 وإطلاق (الدليل العراقي لجودة المياه – IraqWQI) للباحثين والهيئات الحكومية لقياس جودة ونوعية المياه السطحية.

ساعدت أنماط التعبئة البيئية الجديدة لـ”منظمة المناخ الأخضر” عبر برامجها الاستقطابية ذات المعلومات التبسيطية على يوتيوب ومنصتي “فيسبوك” و”إنستغرام”، على تنشيط “السياحة البيئية” في المنطقة49، بالشراكة مع “منظمة الچبايش للسياحة البيئية“، التي تقود – عادة – حملات تطوعية لتنظيف الأهوار من الملوثات،50 وجولات للسياح الغربيين. بينما قاد التشبيك بين المنظمتين إلى توثيق الحياة البرية، واكتشاف أنواع منقرضة من ثدييات الموائل المائية،51 ورصد وتقييم مهدّدات الثروة السمكية في أهوار جنوب العراق بالتعاون مع وزارة البيئة.52

ابتكرت الحالة العراقية، نوعاً من جماعات التفكير والتشبيك الداخلي، تنشط داخل الأروقة الأكاديمية والهياكل الحكومية، كمنظمات بيئية ذات منهجية مؤسسية في القيادة والتنظيم واستراتيجيات العمل والمُخرجات، ويُمكن عَدّها منظمات “مكتبية – أكاديمية”، تستثمر علائق “التشبيك النوعي” لصالح قضايا البيئة، عبر عقد النقاشات المنهجية وحلقات تداول الرأي البيئي، غالباً مع مؤسسات الحكومة، وأحياناً مع الكيانات الدولية. وكاستثمار مقابل، الهيئات الحكومية عبر “المنظمات المكتبية – الأكاديمية” المحلية، تمد الصلة مع المجتمع الدولي خارج الأطر البيروقراطية المُقيّدة للعمل البيئي.53 ورغم ذلك، لم تُفلت تلك المنظمات من مصّيدة القيود الحكومية، والتعامل الهرمي، فضلاً عن حجب التمويلات عنها لصالح أطراف غير نشطة بيئياً.54 ورغم أن منظمات النموذج المكتبي توفر قواعد معلومات هامة عن الوقائع البيئية، لكنها تفتقر إلى الحوار مع المجتمع المحلي، وتكاد تُصنّف خارج النسق الميداني.

وتأسيساً على فحص الحملات المُعلنة، شَخَّصَت الورقة البحثية، شيوع أربعة أنساق مُعتادة من التعبئة الميدانية في العراق:

النسق الأول: الحملات المُبرمجة مُسبقاً بناءً على تصورات المانح الدولي، وتنخرط فيها غالبية المنظمات.

النسق الثاني: الحملات الطارئة، وتتشكل نتيجة بروز ظاهرة بيئية تستدعي مخاوف الجمهور العام مثل نقص المياه، العواصف الترابية، جفاف الأهوار، موت الثروة السمكية، ارتفاع نسب الملوحة. وتعتبر غالباً حملات استقطابية ناجحة لبناء سمعة المنظمات المنخرطة دون أثر عملياتي يُعالج الظاهرة أو يطرح حلولاً مُستدامة لها.

النسق الثالث: الحملات الاستقطابية، وتنشأ كجزء من الحملات الطارئة أو الموسمية، وتستهدف شكلاً، خدمة قضايا البيئة المحلية وإسعافها كحملات تنظيف أكتاف الأنهر من الملوثات، حملات التشجير…الخ. تعقد غالباً، بمشاركة متطوعين شباب (أقل من 25 عاماً) ممن يحاولون مواكبة أو تقليد الحملات الدولية والإقليمية نتيجة تواجدهم على منصات التواصل الاجتماعي، لكن؛ بالنتيجة لا يتم تنظيم وتطوير تلك الإمكانات والحماس البيئي إلى حملات أكثر فاعلية.

النسق الرابع: الحملات البيئية المُسيّسة، والتي تُطلقها أحزاب سياسية، أو تيارات دينية، أو جماعات عُنفية، وغالباً ما تتجنب المنظمات البيئية المؤسسية الانخراط في مثل هذه الحملات، فيما المنظمات الأقل شأناً أو المناطقية أو التي لديها صلات غير معروفة مع فاعلين سياسيين، تكون جزءاً فاعلاً فيها.

التعبئة البيئية في العراق: التوزيع الجغرافي للمنظمات البيئية المحلية المُسجلة رسمياً

التشبيك والتمويل… مصَدّات التعبئة البيئية:

كمفهوم تشاركي، يأخذ التشبيك، تعريفات وأبعاداً قياسية ضمن الحالة العراقية. معظم المنظمات البيئية المحلية تواجه صعوبات جمّة في إيجاد مناطق تشارك، وصناعة مظلة إطارية قد تُفضي إلى شراكات،55 نتيجة التنافس الشديد على منطقة عمل محدودة الخيارات في ظل قدرات متواضعة وإمكانات مادية مُقننة، وهوامش ربح ضئيلة، نظراً للمنح المالية الصغيرة التي يُطلقها المانحون الدوليون لكشف قدرة منظمات العمل الأهلي على الاستجابة.

التشبيك المحلي ما زال غير نامٍ بشكل كبير، ويفتقر إلى الشفافية، ما يتسبب بانفراط الشراكات التعاونية، حتّى في القضايا ذات الاهتمام المتبادل، وكمثال: أعلنت “منظمة طبيعة العراق” عن انسحابها من مبادرة “حملة إنقاذ نهر دجلة والأهوار” الذي قادته “مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي”، لأسباب تتعلق بغياب الشفافية.56

يأخذ التشبيك المحلي أحياناً، طابعاً من العلاقات التمييزية الواضحة في مسألة التراتبية النخبوية للأفراد بناء على الدوائر التي ينتمون إليها أو ينشطون عبرها / داخلها. مثلاً المنظمات التي يقودها أكاديميون محترفون تسعى إلى التشبيك مع منظمات مماثلة لها، بينما المنظمات التي تنبع من الأنشطة المدنية التقليدية للمجتمع الأهلي، فإنها تتجاور بالعلاقة البينية مع مثيلاتها. وثمة منظمات أخرى تنخرط في أي دور يناط بها، أو تسعى إلى التواجد والظهور في النقاشات والأحداث العامة، بحثاً عن تشبيك وقتي قد يؤمن فرص تمويل مستقبلية. في النموذج الفلسطيني المقارب “تلعب المنافسة السياسية والشخصية بين الفاعلين في المنظمات غير الحكومية الدور الأهم في زيادة الانقسام بين هذه المنظمات”.57 بينما في الحالة العراقية، وفقاً لمن تمت مقابلتهم، فإن “المنافسة على التمويل تعوق التشبيك وتخلق منافسة حادّة، وأحياناً غير شريفة”.58

التشبيك البيئي المحلي في النموذج العراقي، طبقاً لتصورات ناشطي المنظمات ممن أجريت معهم مقابلات في سياق هذه الدراسة، لا يعني التشارك بقدر ما يعني زيادة الحظوظ والفرص والظهور، فالتشبيك المؤسسي القائم على عقود واتفاقات وتوزيع أدوار وتقاسم منفعة، شبه منعدم، فيما تظل أطر التشبيك قائمة على مراعاة المواقف، الرؤى، توقيع البيانات، اجتماعات تداول رأي، ويغيب العمل الميداني التشاركي. وهي سمات آتية من أنماط التفكير الشائعة في المنظمات غير الحكومية العمومية.59

المبادرات المتواترة للمنظمات البيئية في العراق، لم تتحول بعد إلى بديلٍ ثوري، يقود إلى بناء قوة اجتماعية تصعيدية، تعيد تشكيل العلاقة بين (الدولة/ السلطة/ البيئة)، أو بين (المجتمع/ البيئة)، لجهة تأثرها بممارسات النظم الحاكمة للمنظمات غير الحكومية العمومية. حيث إن جزءاً كبيراً من النخبة المنظماتية حوّلت مركز نشاطها نحو البيئة، ما يعني أنها حوّلت معها نفس حزم التفكير/ الآليات/ الإجراءات المعهودة، فـ”الكثيرون لم يحسبوا حساباً جاداً بأن فشل المشاريع متأت من حُزم الديناميات المشابهة في تجربة المنظمات، بالتالي يستمرون في تطبيق نفس الأساليب والأطر بإصرار على الظواهر المعاصرة، التي غالباً ما تكون غير مناسبة لها”.60 لذا التغيير الطفيف الحاصل أنها فقط نقلت جزءاً من الجهد نحو القضايا البيئية التي باتت محط مراعاة المانحين.

احتكار الإدارة وغياب مشاركة الجمهور – حتّى المنظمات التي يستهدف بعضها توسعة بناها التنظيمية عبر التوجه إلى الجمهور لغرض الانتساب -، يؤشر إلى نقص في الحوار مع المجتمع المحلي. فالتشبيك بين المنظمات والمانحين، يُمكن عدّهُ تشبيكاً جزئياً (مايكرو) بين مانح يتمتع بالصفة الفوقية ومحلي محدود، لذا لا يمكن عَدّ تلك العلاقة تشبيكاً تشاركياً لانعدام التأثير المتبادل والقيمة المعرفية. أما التشبيك المحلي المُستقطِب للعمل التطوعي، أيضاً يواجه تَحكمات مرحلية غائية، تنفرط عند انتهاء المهمة، بمعنى أنه ليس بـ”التشبيك المُستدام” لصالح قضايا تحتاج إلى مسار زمني طويل لتحقيق أهدافها.

المجموعات الشبابية باتت أكثر اهتماماً بالانخراط في الدفاع البيئي.61 لذا فإن المنظمات التي كانت تناضل من أجل تعبئة جمهور في قضايا فئوية أو جهوية محدودة المشاركة، بات لديها الآن منطقة استرخاء تعبوي، بوجود طيف شبابي واسع متحمس للمناصرة البيئية. لكن؛ بالنتيجة، غالباً ما تكون المجموعات الشبابية، عرضة للاستغلال والعمل بـ”السُخرة المُقنّعة”، وهو ما قد ينتج عنه مستقبلاً، حينما تشتد الأزمة البيئية، عزوفٌ عن التعبئة التطوعية، أو “تحولٌ يُخلّف وراءه ما يعادل الفراغ”.62

وثمة حملات مناصرة، ظلّت خارج قدرة الوصول إلى المتأثرين المباشرين من التحديات البيئية، واقتصرت على التفاعل التقليدي داخل أطر المنظمات نفسها ومجموعات المتطوعين الفعليين أو الافتراضيين الذين يتم استقطابهم من العالم الرقمي.63 لذا لا يمكن التحقق من المخرجات النهائية لتلك الحملات. كما أنها تفقد قيمتها تدريجياً مع عدم بناء أدوات الضغط أو التشبيك مع المجتمع المحلي. من زاوية أخرى، تستثمر المبادرات التجارية لشركات ورجال أعمال، التعبئة البيئية كأداة مركنتيلية فعّالة “للتسويق البيئي” عبر منتجات “بيئية” قد لا تكون صديقة للبيئة، أو إطلاق مشاريع غير مُستدامة في إطار “خلق اقتصاد مُستدام”، بمعنى خلق تسوية بيئية ذات طبيعة تجارية.64

إن بعضاً من المناطق الريفية أو الموائل السكانية المائية في عمق الأهوار، أو المُدمّرة بفعل العمليات العسكرية، وحتّى أحياء بعض المدن، تعتمد على مبادرات النشطاء المُستقلين، بوصفهم أفراداً يسعون إلى إنعاش بيئاتهم الأصلية بدافع المسؤولية العامة، بعيداً عن الجهد المنظماتي الذي غالباً ما ينشط في المدن الأساسية، وبطريقة تفكير منفصلة عن الأرياف أو الأحياء التي تعاني هشاشة بيئية مُزمنة وتهميشاً في التمثيل السياسي والمؤسسي.65 ورغم أن الدور القيادي غير الرسمي الذي يلعبه أفراد أو نُشطاء بيئة مُستقلون، يُسهم في تحقيق جُزءٍ من مقاصد الصيانة البيئية، إلا أنه ينطوي على مخاطر، لجهة أن غياب الأفراد/ النشطاء سيؤدي إلى تحطم سلاسل التعبئة وتداعي المناصرة والتحشيد ليتم نسيانها أو تسويفها.

غياب الحوار مع المجتمع الأهلي في عملية صنع القرار البيئي، لم يُنتج عنه سوى المزيد من الفجوة واغتراب تلك المجتمعات عن أزمات بيئتها. ساهمت الحروب وآثارها الكارثية في تدمير النظم البيئية، والتهجير والنزوح، بشكلٍ فعّال في انفصال المجموعات السكانية المتحركة عن بيئاتها الأم، وبعدم شعورها بالمسؤولية عن بيئاتها الجديدة. يُمكن تصنيف ذلك، كواحد من مستويات “الاغتراب البيئي”، وهو سببٌ مُضافٌ إلى عدم حيازة الحركات البيئية التعبئة الواسعة حين تتأثر تلك البيئات.66

التحديات والمخاطر… حُزم السُلطة في مواجهة التعبئة البيئية:

النضالات البيئية عادةً ما تتقاطع مع الانقسامات السياسية والطائفية والحروب العشائرية والأنشطة العُنفية للجماعات المُسلحة، وتجعل من الصعب على الحركات/ المنظمات، الحصول على دعم وتمويلات على المستوى الوطني أو من مانحين دوليين، فاستراتيجية قوى النظام السياسي، هي إحداث انقسام مجتمعي حول القضايا البيئية لضمان عدم التحشيد والتعبئة.67 فمعظم المشاريع المهددة للبيئة68 ترتبط بـ”الأحزاب أو الجماعات العُنفية أو النظام السياسي نفسه”،69 ويُمكن تسميتها بـ”حُزم السُلطَة” في العراق، ما يؤدي إلى إسكات جزء من المجتمع الذي يوالي تلك الحُزمة، بالتالي تحريف التعبئة وتغيير اتجاهها إلى وجهة معاكسة، وبث معلومات مضللة للتأثير على الجزء المتبقي الذي تتهدد مصالحه البيئية بسبب ديمومة التعنيف البيئي.70

وتحت ضغط المصالح “غير النظيفة” المتباينة مع المُدافعة البيئية، يتعرض النُشطاء والفاعلون في المنظمات المحلية، إلى تعنيف ممنهج ومحاولات إقصاء عن الحيّز العام، وتنكيل وإسكات عبر الاختطاف، أو الاعتقال، أو التهديد بالحبس والملاحقة القضائية التعسفية، طبقاً لتجارب ثلاثة من المُدافعين البيئيين، جاسم الأسدي (منظمة طبيعة العراق)،71 رعد حبيب (منظمة الچبايش للسياحة البيئية)،72 وسلمان خير الله (حُماة دجلة).73 و”بدلاً من أن تتخذ الحكومة العراقية خطوات ملموسة لحل القضايا البيئية الجوهرية، فهي تهاجم من يتحدث عن هذه القضايا (…) لن يؤدي إقصاء الحركة البيئية في البلاد إلا إلى تدهور قدرة العراق على معالجة أزماته البيئية، التي تؤثر على مجموعة من حقوق مواطنيه الحيوية”، وفقاً لآدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”.74

التعبئة البيئية في العراق: العنف الممنهج من قبل السلطة والميليشيات ضد النشطاء البيئيين

الإجراءات العُنفية والتعسفية من “حُزم السُلطَة” في العراق ضد المُدافعين البيئيين، جعلت المنظمات ترزح تحت الخوف، وعدم الحصانة من القيود والمخاطر الأمنية،75 ما جعلها ترتد على نفسها وتتخلى عن كونها قائدة “للمجال العام”، في ظل احتياجها الدائم إلى الاعتراف بقانونية أفعالها غير الحكومية، وتأكيد “شرعية” مشروطة من أغلب المانحين الدوليين الذين يفضلون منظمات خاضعة لنظام الرقابة الحكومية على تلك التي تكون في حالة “تضاد مع الدولة”، بمعنى أن تكون (معارضة مُطيعة – Dutiful dissent).

تمثل “المعارضة المطيعة”، الحالات التي يتم فيها التعبير عن مخاوف داخل المساحات المؤسسية القائمة أو المنشأة حديثاً، وغالباً ما يتم التعبير عن التضاد من خلال أنشطة “الانخراط/ التشبيك” التي تدعم المؤسسات والأعراف الاجتماعية القائمة والناشئة للتعبير عن مقاومة الممارسات السائدة، مثل إنتاج الوقود الأحفوري والنزعة الاستهلاكية.76

لم تطرح المنظمات البيئية عقداً اجتماعياً بيئياً يُنظم العلاقة بين الدولة/ الحكومة الراعية للمصالح، والتي تُسبب سياساتها هدماً بيئياً، وبين المجتمع المدني بمعناه الوظيفي كـ”مجال عام”، أو مجتمع أهلي يُمثل الحيز العام، فالمنظمات ما زالت فعالياتها تنشط ضمن دوائر المانحين، وهامش مساحة الحركة الممنوحة لها من قبل الدولة/ حُزم السُلطَة، لذا فإن التأثير الواسع المتوقع لفعاليات الدفاع البيئي على إجراءات الدولة لم يتّضح بعد.

غالباً ما تتجنب المنظمات البيئية الانخراط في أنشطة حركية تمثل “حالة تضاد مع الدولة/ حُزم السُلطَة”، كالاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات، وتحاول إبراء أنشطتها أمام إرادة حكومية شديدة التعنت والمركزية، لذا هي تتجه أكثر فأكثر نحو حماية مصالحها بتفضيل (المعارضة المُطيعة – Dutiful dissent)، التي تدعم مجموعة متنوعة من الأساليب والإجراءات الناعمة ضمن الإطار المؤسسي، لكنها غير حاسمة من وجهة نظر المجتمع الأهلي المُتضرر. حيث إن غياب الأدوار النقدية البيئية بات فعلاً شائعاً في طبيعة المنظمات، بدلالة انتفاضة مواطني البصرة البيئية (أقصى جنوب العراق)77 في صيف 2018 – التي كادت تؤدي إلى إسقاط النظام السياسي -، حيث قدمت منظمات حقوقية وصحافية تقارير تقصٍّ بيئي،78 فيما انزوت المنظمات البيئية بعيداً عن كُلفة النقد المؤسسي.

ينطوي غياب النقد المؤسسي من قبل منظمات المُجتمع المدني للديناميات السلطوية، على تسييسٍ ضمني للعمل البيئي، وتسييلٍ لطبيعة “المجال العام” بوصفه مِصداً يمثل القوة الاجتماعية السلمية تجاه “حُزم السُلطَة” المحتكرة للعنف والإفلات من المحاسبة. فالعزوف الواسع عن تنظيم تعبئة بيئية يُشرك فيها المجتمع الأهلي المحلي لمقاومة تنامي عمليات إنتاج الطاقة غير النظيفة، وإحراق كميات هائلة من الغاز، لاسيما في مناطق الاستثمار النفطي كالبصرة (جنوب العراق)،79 مؤشر مُقلق على انتقائية قوى التعبئة البيئية، وانحيازهم إلى سردية الدولة/ حُزم السُلطَة، بأن مزيداً من الإنتاج يعني مزيداً من الوظائف، فضلاً عن تحريم المساس بالثروة النفطية، وتوجيه “المجال العام” بعيداً عن الكارثة البيئية التي تُسببها حقول الإنتاج.

وفي المرّات النادرة لمعارضة إجراءات “حُزم السُلطَة”، مثل “أزمة سد مكحول”80، اتخذت المنظمات المحلية من الشراكة مع المنظمات الدولية/ الأممية ستاراً لحماية نفسها من المحاسبة السُلطوية، كما أعربت منظمة الهجرة الدولية عن أسفها لعدم وجود “محاولات حوار” مع المجتمعات المحلية في المنطقة من قبل السُلطات. لذا أطلقت منظمة الهجرة الدولية ووكالة التعاون الأسترالية حواراً مع السكان المحليين بالتعاون مع منظمة ليوان للثقافة والتنمية في صلاح الدين،81 بينما أنتجت منظمتا “أنقذوا دجلة” و”حُماة دجلة”، تقريراً شخّصتا فيه، مخاطر بيئية وديموغرافية وآثاراً مُحتملة قد تطال النظام الطبيعي لحوض بناء السدّ، الذي يحوي أيضاً موقعاً أثرياً آشورياً مُدرجاً على لائحة (يونسكو) للتراث العالمي.82 بالنتيجة ألغت السلطات مشروع إقامة السدّ بناء على تحذيرات التعبئة البيئية الناجحة.83 لكن على العموم، المنظمات البيئية في العراق منخرطة في سياق الدولة المؤسسية غالباً، وأحياناً تلتزم النهج الحكومي المؤدي إلى تعبئة القضايا البيئية في سياقات سياسية .

بالمُقابل ينشط المجتمع الأهلي في حالة “التضاد مع الدولة/ حُزم السُلطة”، دفاعاً عن استحقاقاته الحياتية المُتأثرة بالتدهور البيئي، ويُمارس تكتيكات أكثر فاعلية في التعبير عن مصالحه المهدورة، عبر الاحتجاجات، الاعتصامات، قطع خطوط النقل الرئيسة بين المُدن الكبرى، إغلاق الدوائر المؤسسية، بما يُشبه “فرض السلطة أو القوة الأهلية على الحقل الاجتماعي في المجتمع المحلي، بحيث تُحوّل وتُعيد تنظيم حقل الفعل”.84

المجتمع الأهلي الغاضب في البصرة 2018،85 وجّه أدواته العُنفية تجاه الحكومة المحلية والاتحادية، ونجح بتجميد الهياكل التنفيذية لأيام، وعمد إلى إحراق القنصلية الإيرانية، رداً على سياسات طهران المائية العدائية تجاه العراق، وبالنهاية؛ وكواحد من المُخرجات السياسية غير المنظورة، حطّمت الانتفاضة البيئية البَصْرية، طموحات حزب الدعوة الإسلامية في البقاء وقتاً إضافياً، بعد أن ظلَّ “حزباً حاكماً” على مدى ثلاث حكومات مركزية (2006 – 2018)، ومهّدت الطريق إلى نمط جديد للاحتجاج الشعبي المُنظم من قبل المُجتمع الأهلي في الاحتجاجات العامة المعروفة بـ”انتفاضة تشرين – 2019″.

وبالاستفادة من تكتيكات البصرة نفسها، عمَد أهالي قضاء الإصلاح في محافظة ذي قار (جنوب العراق)، إلى الانتفاض بوجه السُلطات المحلية، وفرض سيطرتهم على المنطقة التي تعاني جفافاً غير مسبوق وشحاً في مياه الشرب، بعد أن ووجهت المطالب الشعبية البيئية بالعنف غير المُبرر والقوة المفرطة.86 بالمقابل، سيطر المتظاهرون الغاضبون على الأجهزة المدنية والأمنية، واحتجزوا عناصر الشرطة، وأغلقوا مبنى إدارة الإدارة المحلية، فضلاً عن طرد قوات مكافحة الشغب، وأغلقوا المنطقة الواقعة شرق المحافظة عبر نقاط تفتيش.87 مع تفاقم الأزمة البيئية، لا يُمكن ضبط حراك المجتمع الأهلي في أطر مؤسسية، أو تكييف طرائق تعبيره المتأججة إزاء الفشل الحكومي في أنماط ناعمة كالتي تنتهجها المنظمات غير الحكومية، كالمعارضة المُطيعة (Dutiful dissent). الحراك الأهلي، هو تعبئة آنية تفرضها مُتغيرات التدهور البيئي، وتُعبر أيضاً بوضوح عن انعدام الثقة بقدرة المجتمع المدني المُنظم على تمثيل مصالح المجتمع الأهلي غير المُنظم.88 لكن الأفعال العُنفية والاحتجاجية للمجتمع الأهلي، بحسب ميشيل ألكسندر تمثل “حالة مقاومة ذهنية تفاعلية من أجل البقاء ومنع الضرر الكارثي (…) لا يُمكن من خلالها وحدها، تحقيق عالم آخر ممكن”.89


الحواشي والتعليقات:

  1. راجع: صفاء خلف وعمر الجفال “رائحة الفلفل، تحليل وتاريخ وسير لانتفاضات العراق، فصل النقابات في العراق – ثقل الماضي وأزمة الحاضر” ، دار الرافدين، بيروت، 2022، ص 245 وما بعدها. ↩︎
  2. Eric Davi, Memories of State, Politics, History, and Collective Identity in Modern Iraq, University of California Press 2005. ↩︎
  3.  فالح عبد الجبار، المجتمع المدني في عراق ما بعد الحرب، منشورات معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2006. ↩︎
  4. أعلنت سلطة الاحتلال عن قانون تشكيل المنظمات غير الحكومية بالرقم 45 لسنة 2003. ↩︎
  5. يستخدم هنا فالح عبد الجبار هذا المفهوم، وفقاً لفرضية آدم سميث، والنظرة المثالية لمدرسة القرن الثامن عشر البريطانية الليبرالية بأن “المجتمع المدني ما هو إلا فردوس تناغم منظم ذاتياً”. عبد الجبار 2006. ↩︎
  6. راجع النظام الداخلي لمكتب الشباب والبيئة العراقي. ↩︎
  7. مقابلة مع رئيسة منظمة بيئية في البصرة، أجريت عبر الهاتف في 06 شباط/ فبراير 2023. ↩︎
  8. يُعرّف يورغن هامبرماس الفضاء العام أو “الحيّز العام”، على أنه حيّز الفعالية الاجتماعية المتحررة من قيود السُلطة، حيث يلتقي الأفراد الفاعلون لتحديد ومناقشة الأمور المجتمعية بحريّة في الفضاءات العامة بما يؤدي إلى مناقشة كيفية التأثير، وابتكار أنماط عمل مشترك، بما يفضي بالنهاية إلى صياغة الرأي العام، ويشمل بذلك المجال الخاص لحراك المجتمع المدني.
    Habermas Jürgen, The Structural Transformation of the Public Sphere., Cambridge MIT Press, 1989 ↩︎
  9. راجع مثلاً، تقرير منظمة الصحة العالمية عن أنشطة صحة البيئة بين 2002 – 2003 في العراق، حيث لم يتضمن أي اشارة إلى وجود منظمات معنية بالبيئة وقتذاك، وأنها اعتمدت على تدريب موظفين حكوميين وإنشاء مراكز معلومات تحت إشرافها لسد فجوة المجتمع المدني، كما أن خطط المنظمة قد توقفت بسبب تدهور الوضع الأمني، وهو بالتالي ينسحب على أداء الفاعلين البيئيين. ↩︎
  10. منظمة السلام الأخضر العراقية تدق جرس الإنذار في العراق، جريدة المدى، العدد 188، 29 آب/ أغسطس 2004. أعيد تسجيل المنظمة مجدداً في كانون الثاني/ يناير 2012، لدى دائرة المنظمات غير الحكومية، وأُلغي الترخيص السابق الممنوح لها من وزارة التخطيط. ↩︎
  11. الجفاف يهدد منطقة الهلال الخصيب ويحول الأراضي الزراعية إلى صحراء، جريدة الشرق الأوسط، العدد 10797، 20 حزيران/ يونيو 2008. ↩︎
  12. دائرة المنظمات غير الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء. تأسست في العام 2004 وفقاً لأمر سلطة الاحتلال المؤقتة 45 لسنة 2003، باسم (مكتب مساعدة المنظمات غير الحكومية) في وزارة التخطيط. لاحقاً في العام 2005 نُقل المكتب شكلياً إلى وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني (المُلغاة) مع تسييره مالياً وإدارياً من أمانة الوزراء حتى العام 2008، حين رُفع التشكيل الإداري للمكتب إلى هيكل حكومي مُستقل (دائرة) مرتبط مباشرة بالأمانة. ↩︎
  13. منظمات المجتمع المدني.. أعداد بالآلاف ودور مغيّب من الواقع العراقي، وكالة إيرث نيوز، 14 كانون الثاني/ يناير 2023. ↩︎
  14. آلية إجراء المقابلات مع الفاعلين الأساسيين في تلك المنظمات صُممت للتواصل عن بُعد، عبر ثلاث وسائل مُيسّرة لدى الطرفين: البريد الإلكتروني، تطبيقات التراسل الفوري، ولقاءات فيديوية مباشرة. ↩︎
  15. رفضت أو تحفظت المنظمات المتبقية على المشاركة، لتزامن وقت إجراء الدراسة، مع حادثة اختطاف الناشط البيئي ورئيس منظمة “طبيعة العراق” في جنوب العراق، جاسم الأسدي، من قبل جماعة مُسلحة في بغداد، حيث علّلت تلك المنظمات عدم رغبتها بالإجابة عن أسئلة الباحث أو الإدلاء بأية معلومات بالخوف من أن يؤثر ذلك على وضعها داخل العراق. فيما منظمات أخرى تم التواصل معها لم تستجب من الأساس. ↩︎
  16. لا يُمثل هذا الإحصاء العدد الكلي للمنظمات البيئية المُسجلة أو تلك العاملة بدون ترخيص، بل يُمثل فقط ما توصلت إليه هذه الدراسة بشكل مُستقل، وعبر مراجعة قاعدة بيانات دائرة المنظمات غير الحكومية للمنظمات المُسجلة لديها بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 ونيسان/ أبريل 2018، التي توصل إليها الباحث. يجب الإشارة إلى أن 69 منظمة بيئية مُرخصة تم تعليق عملها لمدة 30 يوماً على الأقل لعدم تقديمها كشوفاتها المالية السنوية إلى دائرة المنظمات. عُلّق عمل 37 منظمة منها، وفقاً لنشرة رسمية صادرة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ونشرة رسمية أخرى صدرت في 03 شباط/ فبراير 2023. ↩︎
  17. وزير البيئة نزار آميدي، “أكثر من 150 شخصاً ضحايا الألغام والمخلفات الحربية خلال 2022″، موقع رووداو، 28 كانون الأول/ ديسمبر 2023. ↩︎
  18. طلبات التأسيس والتسجيل المرفوضة من قبل دائرة المنظمات غير الحكومية: نشرة صادرة في 12 كانون الثاني/ يناير 2023. نشرة صادرة في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021. نشرة صادرة في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. نشرة صادرة في 02 كانون الأول/ ديسمبر 2018. نشرة صادرة في 22 حزيران/ يونيو 2016. ↩︎
  19. وفقاً لهيئة حماية وصيانة البيئة في إقليم كردستان. انظر: مؤتمر بيئي في أربيل يحذر من مخاطر الجفاف في الإقليم والعراق، شفق نيوز،  19 أيار/ مايو 2022. ↩︎
  20. عبد الجبار، 2006. ↩︎
  21. عبد الجبار، المصدر السابق. ↩︎
  22. كشفت دائرة المنظمات غير الحكومية في كانون الثاني/ يناير 2020، عن أنها ستتشارك بيانات ومعلومات العاملين في المنظمات (المحلية، فروع المنظمات الأجنبية، الشبكات) مع جهات حكومية أخرى، وغالباً ما تكون وكالات أمنية، “وفقاً للقانون” دون تحديد التفويض القانوني الذي يسمح بمشاركة تلك البيانات مع هياكل حكومية غير محددة، كما ألزمت الدائرة في الإعلان ذاته جميع المنظمات بتحديث بيانات الموظفين والمنتسبين والمتعاقدين، وإلا ستتعرض الكيانات المدنية إلى “اتخاذ الإجراءات المناسبة” ضدها. ↩︎
  23. أيضاً طالبت دائرة المنظمات غير الحكومية في شباط/ فبراير 2020، المنظمات بناءً على طلب هيئة النزاهة بالكشف عن أصولها المالية. ↩︎
  24. وفقاً للمتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد، انظر: آلاف المنظمات غير الحكومية في العراق وجدل حول دورها، الجزيرة نت، 15 كانون الثاني/ يناير 2023. ↩︎
  25.  ساري حنفي وليندا طبر، المانحون والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية المحلية: بروز النخبة الفلسطينية المعولمة، معهد الدراسات المقدسية والمواطن، والمعهد الفلسطيني لدراسة الديمقراطية، 2006. ↩︎
  26. المجتمع المدني: يد واشنطن التي تعبث بأمن ومستقبل العراق، موقع الخنادق، 1 أيلول/ سبتمبر 2021. ↩︎
  27. دور القنصلية الأمريكية في البصرة في تحريك الشارع العراقي، وكالة مهر الإيرانية، 18 أيلول/ سبتمبر 2018.. ↩︎
  28. سُجلت 81 محاولة اغتيال ضد نشطاء مدنيين وصحافيين مناهضين للحكومة منذ بدء الاحتجاجات العامة في 2019، نجحت 34 محاولة منها. انظر: العراق: إفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة، هيومن رايتس ووتش، 13 كانون الثاني/ يناير 2018. ↩︎
  29. O’Brien, K., E. Selboe, and B. M. Hayward, “Exploring Youth Activism on Climate Change: Dutiful, Disruptive, and Dangerous Dissent”, Ecology and Society 23(3):42, 2018. ↩︎
  30. يقول رئيس منظمة بيئية ينحدر من إحدى مناطق “الحوض غير المُستقر”، إن “هذا التعامل الذي ينطوي على تمييز واضح، بات شائعاً للغاية، حيث تمنح المنظمات الدولية تمويلاتها إلى منظمات محلية سبق لها أن تعاملت معها أو نفذت عبرها برامج إغاثية، ولا تفضل منظمات بيئية حديثة النشأة، بزعم أنها بلا خبرة (…) لذا نواجه صعوبات كبيرة في إقناع الممولين الخارجيين بمبادراتنا ومشاريعنا البيئية”. أجريت المقابلة عبر الهاتف، بتاريخ 3 شباط/فبراير 2023. ↩︎
  31. ربط المنظمات غير الحكومية المحلية مع الجهات المانحة الدولية، بيان لجنة تنسيق المنظمات غير الحكومية لأجل العراق (NCCI)، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2016. ↩︎
  32.  حنفي وطبر، 2006، مصدر سابق. ↩︎
  33. تعتقد المنظمات البيئية التي تمت مقابلتها في سياق الورقة البحثية، أن ثمة نسقاً تمييزياً واضحاً يحكم العلاقة بين المانحين والمنظمات، “يستند إلى تبادل مصالح غامض وغير مفهوم، فضلاً عن إجراءات طويلة ومعقدة تفضي غالباً إلى انسحاب المنظمات المحلية، أو أنها تتجنب أساساً تقديم طلب تمويلات غير مضمونة”. وتشير رئيسة منظمة تنشط في منطقة الفرات الأوسط (وسط العراق)، أن “طلب منحة دولية، يعد مجازفة وتضييع وقت، لأن السياقات غير واضحة، كما أننا نصاب بالإحباط دوماً من تفضيل منظمة على أخرى”. مقابلة عبر الهاتف، بتاريخ 15 شباط/فبراير 2023. ↩︎
  34. ستحلل الورقة البحثية هذا النوع من الاستثمارات البيئية لاحقاً. ↩︎
  35. “باستطاعة أي منظمة في العراق، اعادة تكييف برنامجها التأسيسي، المُقدم حين التسجيل إلى دائرة المنظمات غير الحكومية التابعة إلى مجلس الوزراء الاتحادي، حيث لا يتطلب ذلك كثيراً من الإجراءات، بمجرد اجتماع الهيئة الادارية وتصويتهم على ضم نشاط معين، مثل حماية البيئة أو مراقبة جودة المياه، إلى نشاطهم الأصلي، أو تغيير اسم المنظمة أو اضافة مفردة بيئة أو مياه أو زراعة على الاسم الأصلي المُعلن، وإبلاغ السلطة الاتحادية بذلك، مما يُمكنها من استهداف انشطة بيئية، وهذا تحدٍ مضاف تواجهه المنظمات ذات التوجه البيئي المحض”. مقابلة مع رئيس منظمة بيئية وسط العراق، أجريت عبر الهاتف، في 22 شباط/فبراير 2023. ↩︎
  36. أزمة المياه والتغيّر المناخي في العراق تقود إلى هجرة ونزاعات أهلية، صفاء خلف، موقع العالم الجديد، 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. ↩︎
  37. راجع: أزمة المياه في العراق: ديناميك الصراع الإقليمي ومخاطر الاقتتال الداخلي، صفاء خلف، مركز رواق بغداد للسياسات العامة، بغداد، 2021. ↩︎
  38. تغيّر المُناخ وأزمة المياه في العراق: مؤشرات الهشاشة وحِدَّة الأثر البيئي، صفاء خلف، السفير العربي، 02 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. ↩︎
  39. مصادر ووثائق حملة إنقاذ نهر دجلة والأهوار العراقية، مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي. ↩︎
  40. تعرّف الحملة نفسها بعد تحولها إلى منظمة مُسجلة على الأراضي الهولندية، على أنها منبر لتعزيز العدالة المائية في حوض بلاد ما بين النهرين، وربط مجموعات من العراق وتركيا وسوريا وإيران من أجل التضامن وتبادل المعرفة بما يضمن تحقيق العدالة البيئية، وتعزيز المياه كأداة لتحقيق السلام. انظر: https://www.savethetigris.org/ ↩︎
  41. مقابلة مكتوبة مع المدير التنفيذي للجمعية، وردت عبر البريد الإلكتروني، بتاريخ 28 شباط/فبراير 2023. ↩︎
  42. المصدر نفسه. ↩︎
  43. المصدر نفسه. ↩︎
  44.  تزامن الأسبوع هذا العام مع الذكرى العشرين لغزو العراق، تحت مُسمّى “إدارة المياه وندرة في العراق منذ 20 عاماً: وضعنا المائي أسوأ وعلينا التحرك سريعاً”. ↩︎
  45. لم يستطع الباحث التواصل مع رئيس المنظمة في منطقة أهوار العراق، د. جاسم الأسدي، بسبب اختطافه من قبل جماعة مسلحة عند مدخل العاصمة بغداد اوائل شباط/ فبراير 2023، لمدة أسبوعين، وكان من الصعب الوصول إلى نشطاء آخرين في المنظمة، نظراً لعزوف أغلب العاملين في المنظمات عقب الحادث عن الإدلاء بأية معلومات تخص منظماتهم. لمزيد من المعلومات عن المنظمة. انظر: http://www.natureiraq.org/ ↩︎
  46. مثل “خطّة إدارة هور الحويزة”، و”البيت الطينيّ” في منطقة أهوار العراق، و”مشروع بحيرة دربندخان” منطقة شمال العراق الكردية. أمّا المشاريع قيد التنفيذ فتشمل “مشروع مناطق التنوّع البيولوجي الأساسية”، “المنتزه الوطني” لمنطقة أهوار بلاد الرافدين، و”مشروع حماية مياه أعالي نهر دجلة”. ↩︎
  47. https://www.youtube.com/watch?v=d3TOBIT8hN4 ↩︎
  48. https://www.instagram.com/mahdilaith/ ↩︎
  49. مبادرات لإنعاش السياحة البيئية في العراق سعياً لإنقاذ الأهوار، موقع روداوو، 02 أيار/ مايو 2019. ↩︎
  50. استقطبت آخر حملة قامت بها المنظمة نحو 60 متطوعاً ومتطوعة من محافظات البصرة، ميسان، ذي قار والنجف، فضلاً عن السكان المحليين وعناصر حماية الحدود المائية، أواخر شباط/ فبراير 2023. ↩︎
  51. قادت مبادرات منظمتي “المناخ الأخضر” و”الچبايش للسياحة البيئية” في أيار/ مايو 2021، إلى تسجيل براءة اكتشاف للحيوان “الركين طويل الذنب” أو ما يعرف بـ”جُرذ بُني الأحمر – Long-tailed Nesokia”، المُسجل على القائمة الحمراء الأممية IUCN للثدييات المهددة بخطر الانقراض بعد اختفائه من منطقته الإيكولوجية عقب تجفيف الأهوار أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعدما فشلت المسوحات الحقلية والبعثات الاستكشافية باكتشافه خلال العقود الأربعة الأخيرة. ↩︎
  52. سمكة البني المهددة بخطر الانقراض، موقع وزارة البيئة، 30 تموز/ يوليو 2017. ↩︎
  53.   حيث عُقدت العديد من المؤتمرات واللقاءات العلمية، الندوات، ورش العمل، بتنسيق مباشر من تلك المنظمات. ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: منظمة إبسو لاستدامة المياه، معهد استراتيجيات المياه والطاقة، جمعية صيانة المصادر الوراثية والبيئية العراقية. ↩︎
  54. “أهم المعوقات التي تواجه منظمات المجتمع المدني، ومنها منظمتنا، هي القيود الحكومية، وعدم فهم المسؤولين لدور المنظمات، إضافة إلى توجيه الكثير من المنح إلى جهات أخرى غير نشطة، عبر التأثير عليهم من قبل العاملين المحليين بهدف التقرب من الجهات الحكومية”. مقابلة تحريرية عبر البريد الإلكتروني، مع رئيس منظمة بيئية مكتبية – أكاديمية مقرها العاصمة بغداد، في 11  شباط/ فبراير 2023. ↩︎
  55. معظم المنظمات التي تمت مقابلتها ضمن هذه الورقة البحثية، فضّلت عدم التشبيك مع منظمات محلية أو التشارك معها في مشروعات، مفضلين العمل مع منظمات غربية ومانحين دوليين. ↩︎
  56. منظمة طبيعة العراق تترك حملة إنقاذ نهر دجلة والأهوار في العراق، موقع مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي، 08 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013. ↩︎
  57. حنفي وطبر، 2006، مصدر سابق. ↩︎
  58. مقابلات أجريت عبر الهاتف مع عدد من مسؤولي المنظمات البيئية من مناطق مختلفة من العراق، للتأكد من عمومية الظاهرة ومدى تأثيرها على التشبيك المحلي. ↩︎
  59. مثلاً، بادرت في كانون الثاني/ يناير 2021، احدى المنظمات العمومية المعنية بالديمقراطية والانتخابات إلى تأسيس (شبكة حماية البيئة في البصرة) ضمن ما سُمي بـ”التحالف الاخضر من أجل بصرة خالية من الملوثات”، عبر جمع المنظمات ونشطاء البيئة في إطار عمل مُشترك. بالمحصلة، لم تُسفر المبادرة عن تشكيل الشبكة أو تفعيلها عبر إطار مؤسسي أو ورقة عمل، أو إطلاق حراك بيئي. ↩︎
  60. David Scott, Refashioning Futures Criticism After Postcoloniality, Princeton University Press, 1999. ↩︎
  61. مبادرات شبابية عراقية لمواجهة مشاكل البيئة، BBC عربي، 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. ↩︎
  62.  عبد الجبار، 2006، مصدر سابق. ↩︎
  63. “أنقذوا أهوار العراق”.. حملة في مواجهة جفاف غير مسبوق، العربي الجديد، 15 آب/ اغسطس 2022. ↩︎
  64. أطلقت مجموعة من شركات المستوردات الاستهلاكية ما تُسميه بـ”مركز بغداد للطاقة المتجددة والاستدامة” للترويج إلى سوق بديلة تعتمد على الطاقة النظيفة انسجاماً مع اهداف الاستدامة الاممية، وروّجت لمعرض منتجات دائم، فضلاً عن ستة مشاريع شبابية تستهدف الحفاظ على البيئة، بوصفها شركات ناشئة. ↩︎
  65. يمكن الإشارة مثلاً، إلى جهود الناشط البيئي الأهواري والمُدون أحمد صالح نعمة (وسط جنوب العراق). الناشط البيئي أنس الطائي الذي ساهم بإعادة تشجير بعض من أحياء مدينة الموصل (شمال غرب العراق). مساهمة الحاج عباس جلّوب بزراعة 85 نخلة على ضفاف نهر الدجيلي في محافظة واسط (وسط شرق العراق). أبو ياسر متطوع بيئي عمل على مدى 12 عاماً بجهود ذاتية على تطوير مساحات خضراء في منطقة البهادلية المُهملة على أطراف مدينة كربلاء (وسط العراق). اهالي قرية البوناهض الزراعية في مدينة الديوانية (جنوب العراق) الذين أطلقوا مبادرة نوعية بمنع التدخين وبيع وتداول السجائر والمشروبات الغازية في الأسواق والأماكن والمناسبات العامة، فضلاً عن محاربة التلوث الصوتي بمنع استخدام منبهات السيارات، على سبيل التحول إلى “قرية صحية صديقة للبيئة”. مبادرة عشيرة قرية البو شامل في أرياف مدينة الديوانية أيضاً، بمنع التدخين وتداول السجائر في القرية بشكل نهائي حفاظاً على صحة سكانها. مبادرة أهالي قرية “كاني تاوك” الكردية في محافظة أربيل (شمال العراق) الذين توافقوا على سلسلة قوانين عُرفية مستوحاة من العادات والتقاليد القديمة بهدف حماية البيئة والدفاع عنها كتحريم الصيد الحيوانات البرية، منع التدخين، والتشجيع على تربية الحيوانات المنزلية. مبادرة المُزارع هكار إسكندر، من قرية كورة شرق محافظة دهوك (أقصى شمال العراق)، بزراعة مليون شجرة بلوط لمواجهة التصحر خلال السنوات المقبلة، على نفقته الخاصة بالتعاون مع زوجته وأطفاله. ↩︎
  66. “الأهالي يحتاجون إلى كثير من التوعية، لأن نقص الخدمات الأساسية، يؤثر على طريقة تفكير الناس الذين لا يلقون بالاً لآثار المُتغيرات المناخية والبيئية، كما أننا نواجه صعوبة في إيجاد بدائل صديقة للبيئة لأنماط استهلاك مُضرّة شائعة. مثلاً نود إطلاق حملة لاستخدام الأكياس والعلب الورقية بدلاً عن البلاستيكية، لكن السوق المحلي ومصانع الإنتاج لا يوفران منتجات بيئية. إشكالية أخرى، أن أنماط التعبئة التقليدية كورش العمل، حملات التوعية، المؤتمرات والندوات، باتت مصدراً لعزوف الناس عن المشاركة، بسبب الإفراط غير المنتج لمثل هكذا ممارسات من قبل المنظمات غير الحكومية على مدى عقدين”. مقابلة مع رئيسة منظمة بيئية جنوب العراق، أجريت عبر الهاتف، في 24/02/2023. ↩︎
  67. السعودية تستعد لـ”زراعة صحراء العراق” وحلفاء إيران مستنفرون، إندبندنت عربية، 01 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. ↩︎
  68. جرافات “العصائب” تنهش دجلة الموصل، موقع جُمار، 22 كانون الأول/ ديسمبر 2022. ↩︎
  69. نهر سام يحمل الموت لزراعة كركوك، موقع جُمار، 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. ↩︎
  70. ناشطون: القنابل والنفايات والفساد والإهمال والجهل والميليشيات تسببت بالتلوث البيئي في العراق، باس نيوز، 26 تشرين الأول/ اكتوبر 2022. ↩︎
  71. في الأول من شباط/ فبراير 2023، اختطف الخبير البيئي البارز جاسم الأسدي على أوتوستراد على بُعد ستة كيلومترات جنوب العاصمة بغداد، من قبل مجموعة مُسلحة مُقربة من الحكومة، وأخفي قسراً لمدة 15 يوماً في عدة أماكن، بسبب أنشطته البيئية التي تتقاطع مع الاستثمارات المُضرة ببيئة الأهوار. أطلق سراح الأسدي الذي تعرض للتعذيب الجسدي العنيف، إثر ضغوطات دولية على الحكومة العراقية. ↩︎
  72. خلال فترتي الجفاف اللتين ضربتا البلاد في 2019 و2020، انتقد الناشط البيئي رعد حبيب وزارة الموارد المائية لسياساتها واستجاباتها الضعيفة للوضع المتفاقم، مسجلاً اعتراضات حول المعلومات المضللة التي تبثها وزارة الموارد المائية في ما يخص غمر الأهوار بالمياه. الوزارة انتقمت منه عبر أخذه إلى المحكمة. في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أمرت محكمة استئناف ذي قار الاتحادية، حبيب، بالمثول أمام المحكمة بموجب المادة 434 من قانون العقوبات، بما يصل إلى عام واحد في السجن. في شباط/ فبراير 2021، برأته المحكمة، لكن ممثلي الوزارة رفعوا قضية ثانية ضده، بموجب المادة 229 من قانون العقوبات العراقي، بتهمة إهانة موظف مكلف بخدمة عامة أو مجلس أو هيئة رسمية، عقوبتها الحبس حتى عامين. ومع نيله البراءة النهائية في كانون الأول/ ديسمبر 2022. الا أن مسؤولي الوزارة يواصلون ملاحقته قضائياً. ↩︎
  73. في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2019، اعتقل المدافع البيئي سلمان خير الله تعسفاً بسبب مشاركته في الاحتجاجات السلمية ضد النظام وسط العاصمة بغداد، من قبل السلطات لعدة أيام قبل أن يتم إطلاق سراحه تحت ضغوط دولية. ↩︎
  74. العراق: النشطاء البيئيون يتعرضون للتنكيل، هيومن رايتس ووتش، 23 شباط/ فبراير 2023. ↩︎
  75. “لا نستطيع التحدث بحرّية، أو نشر معلومات وإحصاءات لا ترغب الدولة بنشرها، نحن مُلزمون بالمراقبة الحكومية من قبل دائرة المنظمات، لذا نخشى تعليق رخصة العمل، أو الملاحقة القضائية، أو التضييق على فرص حصولنا على تمويل خارجي، المسألة مُعقدة، لا تتعلق فقط بالنشاطات على الأرض”. مقابلة مع رئيس منظمة بيئية تنشط في شمال شرق العراق، رفض الإدلاء بأية معلومات عن طبيعة عمله في سياق هذه الورقة البحثية. مقابلة أجريت عبر الهاتف، 03 شباط/ فبراير 2023. ↩︎
  76. O’Brien, K., et al. 2018. ↩︎
  77. انتفاضة البصرة تهزّ أركان العراق، صفاء خلف، موقع أوريان 21، 10 أيلول/ سبتمبر 2018. ↩︎
  78. https://www.hrw.org/ar/report/2019/07/22/331987”البصرة عطشانة“.. تقاعس العراق عن مُعالجة أزمة المياه، هيومن رايتس ووتش، 22 تموز/ يوليو 2019.. ↩︎
  79. Joe Sandler Clarke, “Big Oil’s Dirty Secret in Iraq”, BBC News Documentary, 29 September 2022. https://projects.unearthed.greenpeace.org/big-oil-iraq/ ↩︎
  80. سد مكحول.. 35 ألف عائلة وعاصمة الدولة الآشورية بمواجهة “الغرق”، موقع جُمار، 06 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022. ↩︎
  81. مؤسسة ليوان تدرس وجهات نظر السكان بشأن مشروع سد مكحول، وكالة الصحافة المُستقلة، 19 تموز/ يوليو 2022. ↩︎
  82.  سد مكحول وأثره البيئي والثقافي والاجتماعي، تقرير حملة إنقاذ نهر دجلة وجمعية حماة دجلة. حزيران/ يونيو 2022. ↩︎
  83. الموارد المائية توصي بإيقاف العمل بمشروع سد مكحول، وكالة هنا بغداد، 13 شباط/ فبراير 2023. ↩︎
  84. David Scott, Refashioning Futures Criticism After Postcoloniality, Princeton University Press, 1999. ↩︎
  85. Basra is Burning’: The Protests in Basra Governorate 2018, Safaa Khalaf and Omar al-Jaffal, LSE Middle East Centre Paper Series 54, October 2021. ↩︎
  86. غضب شعبي بسبب الجفاف يُقابل بالرصاص، جريدة طريق الشعب، 15 آذار/ مارس 2023. ↩︎
  87. سقوط قضاء الإصلاح في ذي قار بيد متظاهرين غاضبين، شفق نيوز، 15 آذار/ مارس 2023. ↩︎
  88. هنا مثلاً، شواهد على الحراكات الآنية غير المنظمة للمجتمع الأهلي، هناك مزارعون ومتضررون اضطروا إلى الانتحار بسبب التدهور البيئي في مدينة الديوانية، وآخرين في البصرة. وفي كربلاء اقتحم محتجون دائرة تجهيز المياه. وميسان تشهد دائماً احتجاجات من قبل فلاحين وعشائر على نقص المياه. فيما مزارعون في الناصرية يغلقون مداخل المدينة والشوارع الرئيسة. أو قطع جسور استراتيجية في ديالى. وفي كل مرة، يتعرض المحتجون البيئيون لعُنف السلطة. ↩︎
  89. We Are Not the Resistance, Michelle Alexander, The new york times, 21 September 2018. Access 2023/02/28. https://www.nytimes.com/2018/09/21/opinion/sunday/resistance-kavanaugh-trump-protest.html ↩︎

أضف تعليق